ملفّ الشّهيد القائد رشيد بك طليع،

رسالة إلى الأمير شكيب أرسلان، وثيقة رقم *ش ط (141026-1):

ولادته ونشأته

ولد رشيد طليع في قرية جديدة الشّوف قرب المختارة في جبل لبنان، عام 1876 وتلقّى علومه الأولى في مدارس القرية، لينتقل بعدها لمدرسة الدّاوديّة في عبية، ليتخرّج منها عام 1892 وكان من رفقائه الشّيخ حسين علي مكارم الذي نقل عنه الأستاذ عجاج نويهض قوله : " إنّ رشيد طليع كان في المدرسة نقطة البيكار، وكان نسيج وحده في الألمعيّة والذّكاء ودماثة الخلق وطيب المعشر" ثم انتقل للمكتب الإعداديّ في بيروت ليتخرّج بتفوّق عام 1895 وبدأ بالتّدرّج في المناصب التي كانت تمنح له لمقدرته، فعمل قائمقاماً أصيلاً في الزّبداني و راشيّا وحاصبيّا وفي جبل الدّروز مركز عاهرة (عريقة اليوم) ثمّ في المسميّة. وصار نائبا في مجلس المبعوثان عام 1912 ثم ذهب الآستانة وعاد منها متصرّفا على حوران .  وأثناء وجوده في حوران تعرّف على سلطان الأطرش العائد لتوّه من الأناضول بعد إنهاء خدمته الإلزاميّة، على إثر خلاف بين أهالي بصرى وأهالي قريته القريا بسبب المراعي، فكانت وساطة سلطان قد جنّبت الجانبين صداماً مسلّحاً، وقد جاء في مذكّرات سلطان الأطرش في هذا الصّدد:

"ذهبت ذات يوم إلى درعا لمقابلة المتصرّف رشيد طليع، ومراجعته بخصوص الأرض المختلف عليها، فوعد خيراً وبرّ بوعده، إذ  إنّه بذل جهداً في إقناع والي الشّام ، لتعيين الأمير علي الجزائريّ وسيطاً بين الفريقين المتخاصمين، فكان التّوفيق حليفه، إذ إنّه حسم الخلاف حسماً نهائيّاً " وكانت تلك الحادثة مدخلا للعلاقة بين الرّجلين، كان محورها الصّدق، والثّقة والحزم، والإخلاص المتبادل بينهما.

وشغل الرّئيس رشيد طليع بعد تخرّجه من جامعة دار الفنون في استانبول عدة مناصب رفيعة في الدّولة العثمانيّة كان منها منصب نائب في مجلس المبعوثان العثماني (بمثابة مجلس النواب) ممثّلا لجبل لبنان, كما شغل مناصب متصرّف حوران ومتصرّف طرابلس الشّام ومتصرّف اللاذقيّة , وعندما انسحب الأتراك من البلاد العربيّة وقامت الدّولة العربيّة بزعامة الملك فيصل بن الحسين التحق رشيد طليع بالملك فيصل في دمشق بعد تلقّيه برقية من الملك بناء على نصيحة من الوطني العربي الشّهير في ذلك العهد محمد الشّريقيّ السّوري الأصل الذي شغل في وقت لاحق منصب وزير الخارجية في الحكومة الأردنيّة , وعندما وصل رشيد طليع إلى دمشق  تمَّ تعيينه حاكماً عسكرياً على منطقة حماه، ولـمّا شكَّل الملك فيصل أول حكومة أطلق عليها اسم مجلس المديرين (بمثاية مجلس وزراء) تقلّد رشيد طليع منصب مدير الداخلية (وزير الداخلية) , وعندما بدأ المستعمرون الفرنسيّون مؤامراتهم للقضاء على المملكة الفيصليّة لإسقاط حكومتها العربية نقل رشيد طليع ليصبح والياً  على منطقة حلب ومدينتها، ومن الأمور التي يجهلها الكثيرون أنّ الزّعيم السّوري الحلبي إبراهيم هنانو الذي قاد الثّورة السّوريّة ضدّ المستعمرين الفرنسيّين في شمال سوريّة،  كان يعمل رئيساً للقلم بمعيّة الرّئيس رشيد طليع عندما كان الأخير حاكماً عسكريّاً لمنطقة حلب في أواخر العهد الفيصلي في سوريّا .
وعندما نشبت الثّورة بجبل العرب في عام 1925 م  بقيادة سلطان الأطرش سارع طليع إلى الالتحاق بها وأصبح من أبرز قادتها , وأصيب طليع بمرض إنشغل عن مداواته بسبب الأعباء التي كان مكلّفا بها في الثّورة
  ولم يلبث  الدّاء أن تمكّن منه في عام 1926م ليلقى وجه ربّه في العشرين من شهر أيلول.

     ويصف الأديب عجاج نويهض في كتابه "ستّون عاماً مع القافلة العربيّة"  الرّئيس رشيد طليع:
" بأنّه كان اللولب المحرّك لمعظم نشاطات النّضال الاستقلاليّ ضدّ المستعمرين الفرنسيّين لسّوريّة, ويعتبره من كبار رجالات العرب في عصره، وأنّه كان رجلاً كامل الصّفات, عالي الأخلاق , ولا يكاد يكون له نظير في فنّ الإدارة