الشّاعر السّوريّ حمد الجباعي

"رثاء سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السوري"
..............................................................................
ألْقِيَت هذه القصيدة يوم تأبين الراحل القائد الكبير سلطان باشا الأطرش في قرية القريّا في السويداء..
وسط التفاف جماهيري وحشود كبيرة أتت تلقي نظرة الوداع الأخيرة على جثمان القائد الطاهر...
وبحضور القيادة السورية ورئيس الجمهورية آنذاك
وكان ذلك صبيحة يوم الجمعة بتاريخ 26\3\1982 هذا اليوم الذي شهد وداع قامة عالية من قامات الوطن العربي وسوريا والجبل الأشم...

سُلْطانُ يا أمَّةً عَرْباءَ شامخةً
لم تَحْنِ رأساً طوالَ الدَّهرِ والحِقَبِ!
يا ذارِعاً قمَّةَ الأمجادِ أمْجَدَها
ومُنْهِضاً كَبْوةَ التَّاريخِ بالعَرَبِ
ومُدْلِجاً ليلَ هذا القَرْنِ عتْمَتَهُ
ووَيْلَهُ.. صارخَ الأهدافِ والسَّببِ!
والنَّاسُ مِنْ هَوْلِهِ بالنَّومِ قدْ غَرِقوا
كأَنَّما العرْشُ بَعْضُ البَعضِ منْ قَتَبِ(1)
أسْيافُكَ النُّورُ في أحشائهِ لمَعَتْ
بِيضاً منَ البأْسِ والإيمانِ والشُّهُبِ
في جبْهَةِ التُّرْكِ والأتراكِ ما بَرِحَتْ
آثارُها تُرْهِبُ الأعداءَ بالنَّدَبِ!!
أيَّامَ كانَ الحِمى أوَّاهِ.. مُنْتَهَكٌ
ولا يُقالُ سوى المهزولِ منْ رَهَبِ! (2)
أمَّا فرنسا فقَدْ ولَّتْ مُعَفَّرَةً
وكم توالَتْ بجَيْشٍ رافِدٍ لَجَبِ (3)
في "الكَفْرِ" أفْنى "بنو معروفَ" عسْكَرَها
والوِلْدُ تَلْهو بهِ بعضاً منَ اللُّعَبِ!
و"مصطفى"إبنُ "ذوقانَ" التي غَمَرَتْ
نفوسَهم عينُهُ بالموتِ والرُّعبِ!
نالَ الشَّهادةَ إذْ كانتْ لهُ قدَرَاً
كآلِهِ الصِّيدِ.. نعمَ الآلِ مِنْ نُجُبِ!(4)
أبو طلالٍ تمنَّاها وبارَكَهُ
أخاً أبيَّاً لقاءَ الحَتْفِ لمْ يَهَبِ
أضْنى السّنينَ حروباً تخْشى سَطْوَتَهُ
يُطَهِّرُ الأرضَ مِن عادٍ ومُغْتَصِبِ!
في البِيدِ دمعٌ وفي "السَّرْحانِ" حَشْرَجةٌ (5)
على هُمامٍ بوادٍ قاحِلٍ خَرِبِ!
كم مرَّةً حلَّهُ والقوتُ أيسَرُهُ
مرارُ نَبْتٍ وحيدٍ يومَ ذي سَغَبِ! (6)
فِراشُهُ الأرضُ.. أحجارٌ وسائِدُهُ
وفي السَّماءِ لحافٌ شَيِّقُ الجُنُبِ!
ما هانَ يَوماً ولمْ تَفْترْ عزيمَتُهُ
وما ثَنَتْهُ صنُوفُ المالِ والرّتَبِ!
في الشّرقِ يوماً.. ويَوماً في مغارِبِها
حتَّى اِسْتَقَلَّتْ ربُوعُ الشَّامِ بالغلبِ (7)
فأَجَّجَتْ في نفوسِ العُرْبِ ثورَتُهُ
على المُغيرينَ أمواجاً منَ الّلهَبِ!
وكانَ قلباً لكلِّ القومِ أخلَصَهم
للشَّعبِ والأرضِ.. نعمَ القلبُ مِنْ رَجَبِ! (8)
دماؤُهُ في حِماهُم ألفُ باعِثَةٍ
فيهِ الحياةَ شراييناً منَ الحسَبِ (9)
ومِنْ إباءٍ إذا ما الشَّرُّ نازَلَهُ
أبْصَرْتَهُ الفيصلَ المعروفَ بالرَّسَبِ! (10)
علا جواداً تهزُّ الطّودَ صَهْلَتُهُ
سَلْ بَدْرَ عنهُ.. ومن أسْماهُ بالظَّرِبِ! (11)
وخَلفهُ آلُ معروفٍ غطارفةٌ (12)
بيارقٌ تزحمُ الآفاقَ بالثَّغَبِ (13)
فمَن سِواهم لرفْعِ الضَّيمِ يا وطني؟
في الحَرْبِ والسِّلمِ والإرْضاءِ والغَضَبِ؟!
شُمُّ الجباهِ أعزُّوا الدَّهرَ أُمَّتَهم
وَجَنَّبوها مهاوي الموتِ والعَطَبِ

يقودُهُم لحِياضِ المجدِ خالِدُهُم
للهِ سيفاً على الطُّغيانِ والنَّصَبِ! (14)
ويحَ المنايا أتُودي بالّذي مَكَثَتْ
قرناً منَ الدَّهرِ تغزوهُ بلا تَعَبِ؟!
مآثِرُ الدِّينِ والدُّنيا بهِ اِجتَمَعَتْ
والآنَ يمضي كما نمضي... فَوَاعَجَبي!
غربَ السُّويداءِ تبكي السَّيفَ "مَزرعةٌ"
بهِ ستبقى مشعَّ النُّورِ عن كثَبِ
وتَنْدُبَنْهُ مناجاةً "مُسَيْفِرةٌ"
والثَّائرونَ كرامُ الأصلِ والنَّسَبِ! (15)
وكلُّ شبرٍ منَ الأوطانِ حرَّرَهُ
وما تبقَّى أسيرَ الغصْبِ والسَّلَبِ (16)
أبا طلالٍ.. وهَولُ الرُّزْءِ يلجِمُنا
ويتركُ النّاسَ نَهْبَ الشَّكِّ والرِّيَبِ
ليسَ الّلغاتُ بهِ عجزاً بمُفصحَةٍ
مهما أبانَتْ فنونُ القولِ والخطَبِ
لكنَّ حُرَّاً أمامَ النَّعشِ تُبْصِرُهُ
يَغورُ جَمْراً بدَمعٍ دونَما صخَبِ
تكادُ أن تُنطِقَ الخرسانَ لوعتَهُ
أقوى منَ النّطقِ والإفصاحِ والكُتُبِ!
محمَّدٌ ذلكَ المفجوعُ تَحسَبُهُ
كأنَّهُ المَيْتُ مِن همٍّ ومِنْ كرَبِ!
زَيدٌ يواري بمُرِّ الصَّبرِ أدمُعَهُ
وفي المُحيَّا ظلالُ الأخِّ لم تَغِبِ!
كأَنَّهُ القمَّةُ الشَّمَّاءُ واجِمةً
عمادُ بيتٍ ولا بيتٌ بلا طُنُبِ! (17)
تركْتَ إرْثاً سيُغني الدَّهرَ أمَّتَنا
فَاِمضِ قريراً.. ويا دُنيا العُلا اِنْتَحِبي!

"منصورُ" يابنَ "سُلطانَ" الّذي خلَدتْ
حياتُهُ تَقهَرُ الأخطارَ بالدَّأَبِ (18)
إنْ دارتِ الأرضُ خِلنا الشَّمسَ غائبةً
نَغيبُ نَحْنُ.. وتِلكَ الشَّمسُ لم تَغِبِ!

.... حمد الجباعي.....

الجمعة 26\3\1982

(1)- القَتَب: الأكاف الصّغير على قدر سنام البعير.
(2)- رَهَب: خوف
(3)- لَجَب: اضطراب موج البحر
(4)- نُجُب: جمع نجيب وهو الكريم الحسيب
(5)- حشرجة: الغرغرة عند الموت وتردد النفس
(6)- سَغَب: جوع
(7)- الغَلَب: القهر
(8)- رَجَب: مَنْ يُعَظَّم ويُهاب
(9)- الحسب: مفاخر الآباء والدين والكرم والرف في الفعل والفعال الصالح والشرف الثابت في الآباء والمجد
(10)- الرَّسَب: سيف النبي عليه الصلاة والسلام
(11)- الظَّرِب: جواد النبي عليه الصلاة والسلام
(12)- غطارفة: جمع غطريف وهو السيد الشريف والسخي السري
(13)- الثَّغَب: الطّعن والذبح.
(14)- النصب: الهم والتعب وعدم الاهتداء إلى المراد والعجز عنه والكلل من السير والمشي
(15)- النسَب: القرابة وفي الآباء خاصة
(16)- السَّلب: المسلوب
(17)- طُنُب: حبل طويل يُشَد به سرادق البيت
(18)- الدّأب: الجد والتعب والشأن وشدة السوق




 

 

 

الشهادة أسمى هدية يجود بها الأبطال لحماية ألارض والعرض

 

البطل المجاهد علي حمزة جربوع شهيد معركة المسيفرة قصة

 

للمزيد مذكرات المجاهد متعب الجباعي المكتوبة والمسموعة:

 

كتب الأستاذ كمال الشوفاني

 

-لم يكن علي حمزة جربوع(1) قد بلغ العشرين من عمره عندما قام سلطان باشا الأطرش بثورته الأولى ضد الفرنسيين عام 1922 ،ولهذا الشاب قصة مع القائد العام قبل أن يكون أحد الثوار الذين رووا بدمائهم تراب الوطن. كان شابا شجاعا ،مندفعا لا يخشى ظلمة الليل ولا وحشة النهار في حقول السويداء البعيدة وهو يحرث الأرض ويزرعها بساعديه القويتين.وحصل ذات مرة أن اختلف مع أقاربه فتحداهم وجمع عدة الحراثة الخاصة بهم ولاذ بها في (وعرة) المجيدل ،وهي خربة بين السويداء وكوم الحصى؛موقع رهيب يخشاه المار به نهارا ،فكيف حاله في الليل؟! لم يجرؤ أحد على الاقتراب من عرين ذلك الشاب ،فتعطلت أعمال أقاربه وكادوا يخسرون الموسم ،فاستنجدوا بعطوفة سلطان باشا الأطرش الذي استغرب شجاعة هذا الشاب اليافع ،فأعجب به أيما إعجاب. لبى عليٌّ طلب سلطان ،ثم أصبح أحد جنوده في ساحات القتال.

 

في الثالث من آب عام 1925 كان عليٌ بين ثوار بيرق السويداء الذين هبوا فجر ذلك اليوم نحو عين المزرعة وسحقوا مع ثوار الجبل حملة الجنرال ميشو وسطروا نصرا قل مثيله في الحروب الحديثة.

 

ذاقت فرنسا الذل في المزرعة فاستبدلت بميشو جنرالا آخر يقود جيوشها في سوريا. توجه الجنرال غاملان بحملة نحو السويداء ،وخيم في بلدة المسيفرة في سهل حوران. اندفع ثوار الجبل بحماسة ونشوة النصر في المزرعة نحو المسيفرة ، فتغلبت العاطفة على العقل وخاض الثوار معركة خاسرة . لم تكن الخسارة باستشهاد من استشهد وحسب ، بل كان لغطرسة العدو وجبنه ونذالته دور آخر في حجم المصيبة عندما أقدم على قتل الجرحى والأسرى بعد تلك المعركة الرهيبة. أصيب علي في المعركة ،فكان بين الجرحى تعيسي الحظ . وصل خبر إلى أهله بإصابته ،وأخبرهم البعض أنه نقل إلى درعا للعلاج ،لكن من يستطيع من الرجال اختراق صفوف العدو والوصول إلى هناك ؟؟ هبت جدته السيدة صالحة جربوع إلى رؤية حفيدها (ما أغلى من الولد غير ولد الولد) . وصلت إلى درعا فقيل لها أنهم بتروا رجله ولم يكن بقربه أحد من معارفه فقضى نحبه . لم تتحمل الجدة وقع الصدمة فشُلَّت رجلاها وعادت زحفا قاطعة سهولا ووديان، ليلا ونهارا ،وهي تندب حفيدها الغالي حتى وصلت السويداء . عاشت بعد ذلك ثلاثين عاما لم تنس فيها يوما واحدا ذِكْر حفيدها علي.

 

لا أحد يعلم بالضبط كيف مات علي وكيف دفن وأين ،فما فعله الفرنسيون بعد تلك المعركة سيبقى وصمة عار لا تبررها حجج وأسباب. جاء في مذكرات القائد العام سلطان باشا الأطرش :

 

تراجعنا عن المسيفرة ،دون أن نتمكن من دفن موتانا ،وإنقاذ البعض من رجالنا .وقد أجهز الفرنسيون على هؤلاء وأحرقت جثثهم مع جثث القتلى الآخرين …..” (2)

 

كما جاء في كتاب سلامة عبيد ( الثورة السورية الكبرى على ضوء وثائق لم تنشر ) ” لم يستطع الثوار نقل القتلى ،كما أنهم لم يستطيعوا نقل الأكثرية الساحقة من جرحاهم الذين أجهز عليهم العدو وأحرقهم مع القتلى

 

كان عليٌ واحداً من هؤلاء الأبطال قتيلا كان أم جريحا أم أسيرا ، فجميعهم أصبحوا شهداء بعد أن أجهز عليهم العدو وأحرق جثثهم. لكن ما هو أكثر مأساوية من كل ما حدث لهذا الشاب هو محو ذكره من سجل الخالدين ؛ فلم يذكر عليٌ في أي سجل لشهداء الثورة ولا أي مرجع آخر،حتى في (ملحق) سلامة عبيد في كتابه ( الثورة السورية الكبرى على ضوء وثائق لم تنشر ) الذي جاء على ذكر بعض من أفراد عائلته .

 

ومع الأيام ، طوى النسيان ذكر هذا الشاب فلم يعد يذكره أحد سوى المقربين جدا منه والذين لا زالت في ذاكرتهم أحداث تلك المأساة التي مات ذكرها بعد موت الجدة الثكلى التي عاشت عمرها ترويها للكبار والصغار.

 

لا اعتقد أن علياً وحده من نسيته كتب التاريخ ،فهناك العشرات بل ربما المئات ،وقد كانت أغلب تلك الكتب نسخاً عن سابقاتها ،دون تدقيق أو توثيق ميداني يحتاج إلى بذل جهد كبير لتقديم الجديد والدقيق وما يستحق أن يقول فيه القارئ : “ها أنذا أكتشف شيئا جديدا.

 

لنبحث عن هؤلاء المنسيين ولنُعد لهم حقوقهم ،فنكون قد قدمنا لهم جزءا مما يستحقون .

 

المصادر

 

(1) سيرة علي المختصرة حدثتني عنها المرحومة الوالدة أم كمال نجمة محمد السعدي ، ابنة شقيقة الشهيد وقد سمعَتْها من جدتها صالحة مرات ومرات.

 

 (2) مذكرات سلطان باشا الأطرش (الثورة السورية الكبرى كما رواها القائد العام ) ص163

 

 والسيف في كفيهما شرر

 

آل نصر: ونخص بعض المجاهدين :

المجاهد البطل حامد بيك نصر

المجاهد البطل نايف بيك نصر

المجاهد البطل عبد الكريم بيك نصر

:هذه العائلة الكريمة آل نصر كانت أكثر  عائلات الجبل الذي من  الله عليه في الشهادة دفاع عن الحرية والكرامة  عدد شهداء هذه العائلة الكريمة في معارك الأستقلال ضد المستعمر الغازي الفرنسي (55)شهيد (جدول ورد بكتاب سلامة عبيد من ص 457 – 458 بعنوان جدول شهداء من حمس شهداء واكثر

ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)

حدثنا المجاهد متعب الجباعي في مذكراته المسموعة عن اللجا واهلها وكان يقول لنا اللجا هي درع الجبل كانو اهلها يتلقون الصدمة الاولى من الغزات ويصمدوا ويصبروا ويصابروا حتى تأتي النجدة من بقية ارجاء الجبل الأشم وذكر لنا الابطال والقرى الصامده في أسماهم ومنهم قرية نجران  والمجاهدين الابطال من آل نصر ومنهم المجاهد البطل حامد نصر الذي كان له دوركبير في معركة المزرعة حيث كان هو ورفاقه قاموا في اسر عددكبيرمن القوات الفرنسية  وقامو في مبادلتهم  الأسرى الثوار في معتقل تدمركذالك المجاهد عبد الكريم نص والمجاهد نايف نصر


خطار ابو هرموش

تولى الضابط الشهيد "خطار أبو هرموش" قيادة الثوار في معركة "الفالوج" فأجهز الثوار خلالها على نحو مئة وثمانين ضابطاً وجندياً فرنسياً»،
«لبى الضابط الشهيد "خطار أبو هرموش أبو فرحات" نداء "الشريف حسين" في 10 حزيران عام 1916 من "مكة المكرمة" لقيادة /50/ ألف متطوع...
وتمكن مع رفاقه الضباط والمتطوعين العرب بقيادة "الأمير فيصل" من تحرير "مكة المكرمة" و"جدة" و"الطائف" وعندما عين "الشريف حسين" ملكاً على العرب وأصبحت "العقبة" مركزاً للتجمع والتدريب في جيش الثورة العربية الكبرى ومقراً للقيادة ساهم مع رفاقه في انتصار القوات العربية في معركة "وادي موسى" شمال "العقبة" وفي معركة "الطفيلة" وفي تحرير "معان" و"عمان" وفي تحرير "درعا" حيث انتصر جيش "الثورة العربية" على الاستعمار العثماني التركي وكان مع رفاقه من الضباط الوطنيين على اتصال مع ثوار جبل العرب حيث تم في عام 1917 رفع علم الثورة العربية في بلدة "القريا" من قبل الضابط "خطار أبو هرموش أبو فرحات" ورفاقه، ومنهم "نسيب بكري" وغيره، ودخل مع رفاقه الثوار "دمشق" فاتحاً حيث ساهم في رفع "العلم العربي" في سمائها إلى جانب المجاهد "سلطان باشا الأطرش" والثوار من أبناء جبل العرب، وعندما اندلعت معارك الثورة السورية الكبرى كان الضابط "خطار أبو هرموش أبو فرحات" يشارك في وضع الخطط الحربية لمعارك الثورة ويدرب الثوار وأقاربه على القتال والرمي حتى أتقنوا القتال وقد استشهد في معارك الثورة مع الأشقاء: "سامي أبو هرموش" و"شريف أبو هرموش"، ورافقه من المجاهدين "حسين أبو هرموش" و"يوسف أبو هرموش" و"محمد أبو هرموش"».

وقد جاء في مذكرات قائد الثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" « تطوع بجيش الثورة عدد كبير من الضباط منهم الضابط "خطار أبو هرموش"، على أن يرابط مع قسم آخر من الثوار في قضاء "راشيا"، ويتولى قيادة فصائلهم، وفي منتصف من شهر شباط عام 1925 عقدت قيادة الحملة اجتماعاً وقررت مهاجمة قرية "شويا" فبدأ الهجوم ليلاً بقصد احتلال مواقع مدفعية ومعاقل الرشاشات التي أقامها الفرنسيون غير أن المقاومة العنيفة التي أبداها العدو والبرد القارص الذي تعرض له الثوار اضطرهم إلى الانسحاب في صباح اليوم التالي والعودة إلى قرية "ميماس"، وفي معركة "الفالوج" كان أحد قادتها الشيخ الضابط "خطار أبو هرموش" حيث كانوا يرابطون في بعض القرى الواقعة إلى الشمال الشرقي من "راشيا" فمرت كوكبة من المتطوعين في الجيش الفرنسي ذاهبة إلى الشمال فتبعها الثوار حتى
الشيخ المجاهد حسين ابو هرموش
مخفر "الفالوج" حيث وجدوا قافلة عسكرية تنقل الميرا والعتاد الحربي إلى "قلعة راشيا" يرافقها نحو ثلاثمئة من الخيالة ومشاة السنغال وقد توقفت هناك بسبب الثلوج وما إن وصلت طلائع الثوار حتى أخذ الجنود أهبتهم للقتال ولم تلبث المعركة أن نشبت بسرعة على أثر هجوم قام به الثوار استشهد منهم نحو عشرين مجاهداً دفعة واحدة وسقط عدد كبير من الجرحى واستمرت المعركة دائرة على أشدها أكثر من ساعتين أجهز الثوار خلالها على نحو مئة وثمانين ضابطاً وجندياً ورفعوا السيف عن البقية الباقية بعد استسلامهم وعادوا إلى مركزهم وهم يحملون الأسلحة والذخيرة التي غنموها ويسوقون أمامهم الخيول والبغال التي كسبوها».

ويتابع المجاهد "سلطان باشا الأطرش" في مذكرات حول "معركة قطنا": «على أثر معركة "الفالوج" اجتمع المجاهدون وكان عددهم يقارب الألف وقد تقرر مهاجمة "قطنا" وإجلاء الفرنسيين عنها بسبب موقعها الهام عند ممرات "جبل الشيخ" فتوجه الثوار نحوها وعلى رأسهم القادة المذكورون واستمرت المعركة دائرة بعنف وضراوة حتى خيم الظلام على المحاربين، وقد شارك في الدفاع عنها سلاح الطيران والمدفعية والآليات المدرعة ومع ذلك اقتحم الثوار خطوطهم الدفاعية وتغلغلوا فيها وقتل المجاهدون نحو ثلاثين جندياً فرنسياً دفعة واحدة أما خسائر الثوار في هذه المعركة فكانت نحو أربعين شهيداً بينهم البطل المغوار الشيخ الضابط "خطار أبو هرموش" الذي خسرنا باستشهاده

رفيقاً مناضلاً منذ "الثورة العربية الكبرى" 1916 ورجلاً مقدماً من رجال "الثورة السورية الكبرى"».

 

منقول عن شخصيات خالدة صنعت التاريخ


أروع معارك العرب ضد الإستعمار في النصف الأول من القرن , بعد معركة الكفر أخذ الفرنسيون يحشدون جنودهم و أسلحتهم في محطة أزرع و سهول حوران المجاورة , للزحف على الجبل و غسل عار هزيمتهم في ملحمة الكفر الموجعة , و قد قام سلطان الأطرش و مرافقوه بجولة على قرى المقرن الغربي لاستثارة الهمم , و تقرر على إثر ذلك عقد اجتماع عام على نبع قراصة لدراسة الموقف بصورة عامة و البحث بمسألة الحشود الفرنسية التي زاد عددها على اثني عشر ألف مقاتل حسب تقدير الخبراء , عدا الدبابات و المصفحات و الطائرات الحربية و المدافع الثقيلة و الخفيفة , و كأن الشاعر قصدهم حين قال :

ملأن الجو أسلحة خفافا ً           و وجه الأرض أسلحةً ثقالا

 

آ – مؤتمر قراصة تموز 1925 :

ما كاد يأتي موعد الاجتماع حتى أخذت بيارق القرى تتوارد إلى المكان من مختلف أنحاء الجبل حتى بعض أفراد من بدو المساعيد و السردية , و هنا وصل عبد الغفار الأطرش الذي أطلق سراحه الفرنسيون ثم مروا به على جيوشهم الجرارة و قواتهم الحربية الضاربة الكثيرة للرعب و الخوف , و طلبوا إليه طرح موضوع الصلح مع الثوار , فوقف على مرتفع ( كوم قراصة ) و خطب في الناس حسب ما ورد بمذكرات سلطان الأطرش قائلا ً :

إن فرنسا الدولة القوية , الدولة الجبارة أطلعتني قبل أن أصل إليكم على جيوشها الجرارة و قواتها الضاربة المختلفة , و طلبت مني أن أكون وسيطا ً بينهم و بينكم , لوقف العمليات الحربية , و عدم التعرض للجيش الزاحف بقيادة الجنرال ميشو إلى مدينة السويداء , و قطعوا لي عهدا ً بالعفو عن جميع الثوار الذين اشتركوا بمعركة الكفر دون قيد أو شرط ما عدا سلطان حيث اشترطوا أن يغادر البلاد ريثما يصدر قرارا ً بالعفو عنه بعد مدة قصيرة .

و في هذه اللحظة وصل إلى المكان المجاهد مصطفى أبو الحسنيين من حوران , و قدم لسلطان الأطرش رسالة من بعض الزعماء في حوران يقولون فيها أنهم لا يستطيعون في الوقت الحاضر المشاركة بالثورة ( مذكرات الحلقة 8 ) فطوى الرسالة و وضعها في جيبه , غير أن أنظار الجمهور ظلت متجهة نحوه كأنها تستفسر منه بإلحاح عما جاء فيها .

و قد أنقذ الموقف سليمان نصار و سرعة مبادهته , إذ طلب من الباشا الرسالة , ففتحها و أرتجل نصا ً أخر من عنده و هو ينظر إليها فقال :

حضرة ابن عمنا سلطان الأطرش الأفخم , بعد السلام عليكم و رحمة الله و بركاته نعلمكم أننا رهن إشارتكم في سبيل خدمة الوطن و نحن بانتظار العلم منكم لنلتحق بجيشكم و الله يحفظكم و ينصركم على الأعداء , ثم تلا من ذاكرته أسماء زعماء حوران المعروفين , فأثار بقراءته هذه حماسة الجمهور حتى كانت أصوات النخوات و العراضات تشق عنان السماء .

و ما أن عاد الهدوء إلى الجمهور من جديد حتى التفت الباشا إلى عمه عبد الغفار و قال له على مسمع الجميع و كجواب للفرنسيين :

إننا لم نعلن هذه الثورة كي نرضخ لشروط الفرنسيين و نسمح لجيوشهم الجرارة بالدخول لبلادنا دون مقاومة ليغدروا بنا و يسومونا سوء العذاب و ينفوك و غيرك من الزعماء ظلما ً و جورا ً .

إننا أعلنا الثورة لنصون العرض و الكرامة و نحقق بحد السيف حرية البلاد و استقلالها , ثم اقترب الباشا من عمه و قال له : إنك تخرج الأن من السجن و المنفى و الحمد لله على سلامتك , و أنت أحوج حاليا ً لرؤية أفراد أسرتك الذين ينتظرون عودتك بفارغ الصبر في قنوات , ثم اختلى القائد بأعيان الثوار على جناح السرعة و اتخذوا القرارات التالية بالاجماع :

قرارات مؤتمر قراصة :

1 – متابعة الثورة و الوقوف في وجه الجيش الفرنسي الزاحف لمنعه من الوصول إلى السويداء .

2 – اعتبار القوات المحاربة التي حضرت الاجتماع نواة الجيش الوطني المنوي إعداده و تنظيمه في المستقبل .

3 – اتباع تقاليد الجبل الحربية المتوارثة باعتبار بيرق كل قرية وحدة حربية كاملة يؤمن كل محارب فيها و على نفقتها الخاصة سلاحه و ذخيرته و مؤونته و أن تكون قيادة كل وحدة مرتبطة مباشرة بقيادة الثورة العامة .

4 – فتح جبهة حربية تمتد على جانبي طريق أزرع – السويداء من قرية تعارة و قراصة شمالا ً حتى قريتي الدور و سميع جنوبا ً .

ب – المناوشات الأولى 30 تموز 1925م :

انتشرت قوتنا فعلا ً في المواقع المعينة لها على خط متعرج بطول 8 كم تقريبا ً , و كان مقر القيادة في قلب الجبهة شمال رقة الصخر , و في تموز بدأت المناوشات الأولى قرب بصر الحرير عندما تقدمت القوات تدعمها المصفحات و المدافع لإحتلال جسر قرب بصر الحرير فهاجمها الثوار بمعركة حامية , التحموا معها بالسلاح الأبيض اضطروها للتقهقر , و خسر الفرنسيون باعترافهم ضابطا ً و سبع جنود قتلى و أربعة عشر جريحا ً ( منير الريس عن كتاب جيوش الشرق ) و كانت خسائرنا ثلاث شهداء هم قاسم عزام , محمود غيث , و سليم سلام , و جريح واحد هو حمزة درويش .

ج - الكمين الغادر :

بدأت القوات بزحفها من أزرع و بصر الحرير في أول أب 1925م , فما وضح النهار إلا و الجيش الفرنسي يزحف بنسق الحرب منتشرا ً على تمين و يسار طريق السويداء لعدة كيلو مترات , تحمي جناحه الأيمن قوة كبيرة من الخيالة , يتقدم قبله رتل من السيارات المدرعة و المصفحة بمدافعها و رشاشاتها , و يكشف مجاهل طريقه سرب من الطائرات الحربية , تقصف كل تجمع للثوار بطريقه , تقدمت قوات العدو بسرعة حتى مفرق طريق الدور عندما صب عليه الثوار رصاص بنادقهم ’ و هنا حمي وطيس المعركة ’ فراحت الطائرات و المدافع تقصف تجمعات الثوار و متاريسهم بقنابلها الكبيرة التي زلزلت الأرض و بعثت الذعر في الخيول التي ازداد صهيلها , و كان الضغط كبيرا ً على جناحنا الأيمن قرب قرية الدور , حيث حصل الكمين الغادر بمعركة تل الخروف , عندما حفر العدو خنادق بالسهل شرق تل الخروف , كمن فيها الجنود برشاشاتهم و بنادقهم , ثم استدرجوا فرساننا الفرسان السباهيين هاربين أمامهم حتى وقعوا بالفخ بين الخنادق حيث القناصة و مرابض الرشاشات , فانصب على فرساننا الرصاص كالمطر , و سقط منهم ثلاثين شهيدا ً دفعة واحدة من خيرة فرساننا , يقول سلطان الأطرش : إنهم كانوا ذخيرة أملنا بالنصر , من بينهم حمد البربور , و أخيه أجود و ابن عمه أحمد , و كان من الجرحى الشيخ صالح طربييه من السويداء و زيد عامر من البثينه .

د – مفتاح النصر 2 أب 1925م :

بعد كمين تل الخروف فتحت ثغرة في جناحنا الجنوبي تقدمت منها كوكبات الخيالة و سرايا المشاة و عربات النقل المعادية و الدبابات المصفحة مما اضطر قيادة الثورة للإنتقال أمام الجيش نحو المزرعة لإقامة خط دفاعي جديد , يمنع تقدم الحملة من الجناح الجنوبي , التقت على نبع المزرعة بنفر من المجاهدين من السويداء على رأسهم المجاهد الكبير حسين مرشد , فأخبروهم أن طريق السويداء سدها الأهالي و أقاموا عليها الحواجز و أقسموا على عدم التزحزح من مواقعهم و لو مرت آليات الجيش الفرنسي على أجسادهم , و عندما بلغوا نبع الفارعة قرب المغيب و كان قد أهلكهم الجوع و التعب , أقترح الأكثرية الإنتقال إلى قرية سليم , و هنا يقول سلطان الأطرش بمذكراته : و بينما نحن بمضافة يوسف مسعود سمعنا جلبة خيول تدخل القرية و صيحات فرسان تقول : البشرى لنا ... البشرى لنا , هبينا بسرعة لإستقصاء الخبر , فدخل علينا بعد لحظات فرحان زيتونة و عبطان النجم و فارس مفرج و هم بحالة تعب و انفعال شديدين , و بادرنا الأول بقوله : نعلمك يا باشا أن أهالي نجران و المقرن الغربي و من بضيافتهم من المجاهدين قاموا بهجوم مظفر على مؤخرة الجيش الفرنسي فقتلوا عددا ً من ضباطه و جنوده و استولوا على جميع اسلحتهم و صناديق الذخيرة و الدواب و عطلوا عربات النقل و أحرقوا بعض السيارات و عادوا لقراهم سالمين , تحمس جمهور الحاضرين و تعالت الهتافات بحياة الثورة خاصة بعدما تتابع وصول الغنائم و المعدات مع الثوار إلى القرية .

فأيقن القائد أن النصر قد أزفت بعون الله و هداية من لدنه , و أسرع بإرسال المفازيع و الرسل إلى السويداء و قنوات و كافة القرى و معهم الغنائم ليذيعوا الخبر السار و يستنفروا المقاتلين من جديد ضاربين موعدا ً للجميع على المزرعة في الحال .

و قد وصلت بعد ذلك تفاصيل عن ذلك الهجوم المظفر على مؤخرة الجيش الفرنسي الذي كان مفتاح النصر و العامل الأساسي في اندحار حملة ميشو و إبادتها .

 بدأ الهجوم من أبطالنا الثوار المرابطين في قرية نجران و حول نبع قراصة الذين انفضوا بع الظهيرة على جناح الجيش من الجهة الشمالية و قد كان مرلفا ً من لواء من المشاة و عدد كبير من السيارات و الدواب تحمل الذخيرة و المؤن , تحرسها الرشاشات و السيارات المصفحة و تحوم فوقه الطائرات الحربية , و يروى أن زوجة المجاهد عباس أبو عاصي في نجران قد حرضت المجاهدين على الهجوم عندما رفضت أن يقدم أي ثائر على الزاد الذي أعدته لهم إلا إذا وعد بالعودة إبى ساحة القتال و ذلك حسب ما ورد في كتاب الأستاذ سلامة عبيد ( الثورة السورية على ضوء وثائق لم تنشر ) و هكذا فقد كان الانقضاض صاعقا ً عنيفا ً استسلمت على أثره الفرقة الفرنسية استسلاما ً تاما ً و أسر ضباطها و من بقي حيا ً من جنودها , ثم أحرق المجاهدون ثلاث مصفحات مع ذخيرتها و كسبوا الأرزاق و الدواب و البنادق و الرشاشات و الذخيرة , و انطلقوا إلى قراهم عند الغروب و هم يملأون الفضاء حداءً و رصاصا ً مرددين أهازيج النصر بحماس و افتخار , أهزوجة المجاهد نايف عجاج نصر :

يا فرنسا و الله ما نطيع             و انهوش عند ديارنا

لعين زغردة البنات                 ذبح العساكر كارنا

 

هـ - المعركة الحاسمة 3 آب 1925م :

سرت أنباء النصر و الغنائم في كافة أنحاء الجبل سريان النار في الهشيم , فتحمس الثوار من جديد و زحفوا من كل حدب و صوب نحو المزرعة مسلحين بالمناجل و السيوف و الفؤوس و العصي و السيوف و بعض البنادق و المسدسات , و راحوا يحيطون بالحملة من كل الجهات في ظلمة الليل حتى كان البعيد يسبق القريب للقضاء على الحملة الأجنبية بالرغم من دباباتها و مصفحاتها و رشاشاتها و أسلحتها الحدبثة المتنوعة .

و بعد أن علم الجنرال ميشو بما حل بالمؤخرة من الجنود الفارين باتجاه المزرعة , أصدر أوامر لتشديد الحراسة و إنارة سماء المزرعة بالأسهم النارية خوفا ً من هجوم مفاجئ , و قد استفاد الثوار من الإنارة في تركيز مواقعهم و راحوا يزحفون على بطونهم لسد الثغرات و إحكام الطوق جيدا ً حول المعسكر , و هنا نترك للقائد العام الذي جاء إلى قلب الهجوم ليصف لنا هذه المعركة العظيمة الفاصلة , حيث يروي بمذكراته ما يلي :

تحركنا من سليم عند بزوغ الفجر يوم الإثنين 3 آب سنة 1925م , و حين وصولنا إلى المزرعة وجدنا الحملة الفرنسية في حالة تأهب و استعداد لتستأنف زحفها نحو مدينة السويداء , و في نفس الوقت رأينا بيرق السويداء بمواجهة مع أرتال الحملة المستنفرة في سهل المزرعة و على الطريق العام من الجهة الجنوبية الشرقية لمكان انتشارها , و كانت بعض الآليات المدرعة تناوش المتقدمين من مشاتنا بنيرانها القوية عند مسيل الفارعة , ثم أخذت بيارق القرى تصل تباعا ً و تتوزع في جبهة طويلة منحنية حول المزرعة , تمتد من قرية السجن غربا ً حتى الفارعة شرقا ً , و وادي ولغا في الجنوب الغربي حيث كانت بعض فصائل خيلنا متجمعة ....  .

قبل طلوع الشمس بدأ بيرق السويداء هجمته الصاعقة الأولى , فاخترق خطوط العدو من جهة القلعة القديمة و التحم مع مشاته و بعض مصفحاته التحاما ً مريعا ً , ثم أخذت البيارق الأخرى تضع ثقلها تباعا ً في ميدان المعركة و توسع الثغرة اتنازل الجنود في خنادقهم و مرابض رشاشاتهم بالسلاح الأبيض في أكثر الحالات , كانت الآليات المدرعة تجول و تصول أمام الخنادق و الاستحكامات التى حفرها العدو حال وصوله إلى المزرعة في الليلة الفائته و تمطرنا بقذائفها و رصاص رشاشاتها بصورة متواصلة , كما ازداد نشاط المدفعية التي كانت تقذفنا بحممها من مرابضها الواقعة خلف خطوط العدو , و كذلك الطائرات التسع التي بدأت تحوم فوق مواقع الثوار و تقصف مراكز تجمعهم منذ انبثاق الفجر , ثم اقتصر نشاطها بعد الإلتحام الشامل مع جنود الحملة على التحويم المنخفض , و لكنها كانت تستأنف القصف بسرعة فائقة كلما شاهدت محموعة من الثوار قادمة إلى الميدان

كنت أسمع و أنا في مكاني أراقب سير المعركة أصوات النخوات الهادرة تنطلق من حناجر المجاهدين و تقول :

وين راحوا النشاما ... عليهم , اليوم و لا كل يوم , و منهم من كان يردد هذه الأهزوجة :

يا الوحيد و ابكي عليه              و الموت ما يرحم حدا

لا بد ما تنعي عليه                  إن كان ما اليوم و لا غدا

لا طال عمرك يا الذليل            لا بد ما تلقى الردى

أو يقول بلحن عاصف :

تايه الشور ياللي تحاربنا          من حاربنا يذوق الهوال ِ

 

كان الشبان يتربصون المدرعات و يكمنون لها أثناء تراجعها حتى إذا اقتربوا منها قلبوها بأكتافهم و قتلوا سدنتها بخناجرهم و مسدساتهم و أحرقوها , و يضيف الباشا بمذكراته :

و عند الضحى أوعزت إلى فريق كبير من فرساننا لتنفيذ الهجوم فانقضوا على جناح العدو الأيمن و فتكوا بجنوده فتكا ً ذريعا ً , و قد لعب بيرق الثعلة دورا ً عظيما ً في تلك الغارة الموفقة , و هنا لاحت لحظة الهجوم على قلب العدو و مراكز دفاعه الرئيسة , فاندفعت قواتنا الضاربة من جديد إلى ميدان المعمعة يساندها في الميمنة مشاة البيارق و في الميسرة فرسانها , فتصدعت بهجماتها الكاسحة جبهة العدو و تمزقت صفوفه و انشلت حركته , و دبت الفوضى في مختلف مواقعه , و بذلك فقدت قيادته كل أمل بأخذ المبادهة من أيدينا في تسيير دفة المعركة , كما عجزت عن تنفيذ أية خطة للتراجع المنتظم , و مع ذلك فقد أبدى الجنود الفرنسيين بطولة خارقة في مواجهة الثوار و الثبات في خنادقهم حتى نازلهم فرساننا بالسلاح الأبيض , و قد أبدوا مهارة فائقة بالفروسية و أساليب الكر و الفر تدعو للدهشة و الإعجاب , و لكنهم وجدوا أمامهم أبطالا ً من فرساننا لا يشق لهم غبار , و قد برهن فرسان بني معروف و أبطالهم للفرنسيين و العالم أجمع أنه ما زال في عرب القرن العشرين من يجيد استعمال السيف كما استعمله الأجداد في معارك ذي قار و حطين و اليرموك .

هكذا اندحرت الحملة الفرنسية بل اندثرت و تبعثرت جثث قتلاها و هياكل مدرعاتها و آلياتها المختلفة و أسلحتها الثقيله على السهول الممتدة من المزرعة شرقا ً حتى قرية الدور و بصر الحرير غربا ً , و قد وصلت فلولها الهاربة تجر أشلاءها في محطة أزرع منهكة ضائعة خائرة القوى , و قد وصفهم بعض المسافرين في المحطة و هم يلقون على القطار الذاهب إلى دمشق بقوله :

كانوا يتمسكون بالمركبات تمسك الغريق بنواتيء الصخور و كانت الضمادات على جراحهم و اللفائف على رؤوسهم توهم المرء بأنهم أهل مشفى كبير فروا منه لحريق أصابه .

و قد ترك لنا هلال عز الدين النادرة التالية التي أوردها الأستاذ سلامة عبيد في كتابه ص 136 :

آ – اقترب هاني الحلبي من إحدى المصفحات و بيده سيف , و كان السائق يطل رأسه من كوة المصفحة ليكشف الطريق لنفسه , فعاجله هاني المذكور بضربة أطارت رأس الجندي و يده , فالتفت ابن أخيه عبد الكريم و قال ضاحكا ً : ( هيك يا عم عورت الزلمي ) ... و ممن برز و فاق أقرانه في هذه المعركة المرحوم الشهيد سليمان العقباني , فقد كان حوله ثمانية عشر جنديا ً مجندلين بضربة سيفه و شقهم من الكتف حتى الخاصرة المقابلة .

ب – أما الشيخ حسين العقباني من قرية السجن فيقول : هل شاهدت أجسادا ً تركض بدون رؤوس , كان الجنود الهاربون من المعركة يركضون غربا ً خلف بعضهم أرتالا ً , أرتالاً و عندما يقابل الرتل فارسا ً من الثوار يقطع بسيفه البتار و عزمه القوي رؤوس الجنود الراكضين بالتتالي فتتدحرج الرؤوس على الأرض بينما تستمر الأجساد راكضة عدة أمتار من عزم الإندفاع بدون رؤوس , منظر مذهل قال فيه الشاعر :

ع المزرعة رزم المدافع و القواس         خرس البرود تقول سوق الحداد

لما لكد فرساننا على المتراس               عطل الرمي و ازدان سوق الطراد

شلفات ترعف دم تغرق بالحواس          بواتر تبري رقاب تشفي المراد

أجساد تركض هاربه بلا راس             و روس تدحل ع الأرض غير هاد

يا الله نحنا دوم للوطن حراس              يا رب تنصر الأحرار ضد الأعاد

 

هـ - نتائج معركة المزرعة :

1 – لقد اختلفت الروايات و تناقضت الأقاويل عن خسائر الحملة و عدد الجنود الذين قتلوا في المعركة , كما تناقضت في عدد أفرادها و عوامل هزيمتها و أسباب اندحارها , و يذكر سلطان الأطرش بمذكراته أن عدد الذين استشهدوا من ثوارنا حوالي 340 شهيدا ً عدا الجرحى و المصابين بعاهات دائمة سجلوا على صفحات تاريخ أمتنا العربية أروع صفحات الجهاد و النضال .

2 – بالنسبة للفرنسيين فقد اتخذت التسجيلات عن هذه المعركة طابع الإيجاز , حيث ورد في كتاب ( المدفعية في المستعمرات ص 290 ) ما يلي :

·         لقد نشبت بين الجيش و الدروز معركة دموية خاسرة , سحق على أثرها هذا الجيش سحقا ً و لم يرد في الكتاب الذهبي لجيوش الشرق , سردا ً لسحق جيش الجنرال ميشو إلا أنه ورد في الصفحة 275 من الكتاب و في خاتمته أنه سقط من رجال جيش الشرق الفرنسي في ساحات القتال التي خاض غمارها في فلسطين و سوريا و الشرق 271 ضابطا ً و تسعة ألاف جندي , طبعا ً هذا الرقم غير صحيح لأن خسائر الجيش الفرنسي في معارك 2 – 3 – أب فقط تزيد على ثمانية ألاف سقطوا صرعى و ظلت جثثهم شهورا ً مكدسة على أرض المعركة .

·         يضيف منير الريس في كتابه ص 178 أن صحفيين ألمانيين كانا ضابطين في الجيش الألماني زارا ساحة المعركة بإذن من قيادة الثورة بعد المعركة بقليل , فصرحا بعد عودتهما قائلين :

( إن ظفر بني معروف و مصرع الآلاف من الجيش الفرنسي بالأسلحة البدائية التي كان يحملها الثوار أمر لا مثيل لها في الثورات التي نشبت في مختلف أنحاء العالم ضد الجيوش النظامية و الأمر الذي لا يكاد يصدقه العقل البشري أن بستطيع بنو معروف بالبنادق الهتيقة و السيوف و المناجل أن بستولوا على المدرعات المجهزة بالمدافع و الرشاشات و يحطموها و يحرقوها , لتقف في ساحة المعركة شاهدة على بطولات و مآثر لم يعرف تاريخ الثورات مثيلا ً لها من قبل .

·         يقول الأستاذ سلامة عبيد في كتابه ( الثورة السورية على ضوء وثائق لم تنشر ص 137 ) إن انتصار المزرعة كان أبرز انتصار حربي في تاريخ سوريا الحديث , إذ لا تجد فيه يوما ً أدعى للاعتزاز و الخلود من يوم المزرعة و لا تجد نكبة حربية تقض مضاجع الاستعمار قبل تلك النكبة .

كانت المزرعة إذن العامل الرئيسي لإثارة الهمم كلما فترت لا في الثورة فحسب بل في تاريخ سوريا الحديث على امتداده , لذلك نجد أهم أهازيج الشباب في العراضات و المظاهرات :

ع المزرعة و يا شباب منهوي منكم نساها         و فرنسا صارت خراب بسيوفنا حطمناها

 

و قد كانت هذه المعركة أيضا ً المورد الرئيس لتسليح الثوار بالأسلحة النارية الخفيفة و بعض المدافع الجبلية التي استعملها الثوار فيما بعد , و من النتائج الأخرى امتداد روح الثورة إلى كافة المناطق السورية و إلى لبنان و فلسطين و الأردن و انتقال زعماء الحركات الوطنية من دمشق و من لبنان و الأردن للمساهمة الفعالة في الثورة .

 

ز – قصائد و أشعار لمعركة المزرعة و المعارك الأخرى :

و راح الشعراء و الكتاب و الصحفيين يشيدون ببطولات المجاهدين و تضحياتهم و شجاعتهم , فهذا الشاعر خير الدين الزركلي في قصيدة ألقيت باحتفال لنصرة الثوار بالقاهرة يقول :

الأهل أهلي و الديار دياري               و شعار وادي النيربين شعاري

إن كان في ذي قار من شرف لنا        فنحن اليوم في ذي قاري

 

و هذا أمير الشعراء أحمد شوقي بقصيدته المشهورة :

سلام من صبا بردى أرق                 و دمع لا يكفكف يا دمشق

و معذرة اليراعة و القوافي               جلال الرزء عن وصف يدق

لحاها الله أنباء توالت                      على سمع الولي بما يشق

يفصلها إلى الدنيا بريد                     و يحملها إلى الآفاق برق

دم الثوار تعرفه فرنسا                     و تعلم أنه نور و حق

و ما كان الدروز قبيل شر                و إن أخذوا بما لا يستحقوا

و لكن ذادة و قراة ضيف                 كينبوع الصفا خشنوا و رقوا

لهم جبل أشم له شعاف                    موارد في السحاب الجون بلق

لكل لبوءة و لكل شبل                     نضال دون غايته و رشق

 

و هذا الشاعر معروف الرصافي في قصيدة طويلة نقتطف منها ما يلي :

لله در بني معروف إذ صبروا           على التجالد ما كلوا و ما سئموا

و لا زمو الفقر عاشوا في مجاهله       عيش القناعة لا حلو و لا دسم

بذاك حبّهم الأوطان يأمرهم              إذ هم سما حب الموطن اتسموا

باتت دمشق لهم ترنو نواظرها           كما رنا للطبيب المدنف السقم

أيام لم يبق من بيت بغوطتها              إلا ذكت فيه نار أو أريق دم

فاستقتلوا في سبيل الذود عن وطن       صينت له من قديم عندهم ذمم

كانوا أشد مضاء من صوارمهم          فليس يثنيهم ثان إذا هجموا

 

و هذا الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدة نقتطف منها هذه الأبيات :

فمن غطارفة في جلق نجب               و من غطارفة في أرض حوران

عافوا المذلة في الدنيا فعندهم              عز الحياة و عز الموت سيّان

لا يصبرون على ضيم يحاوله           باغ من الإنس أو طاغ من الجان

 

أما شعراء المهجر فكانوا أكثر تأثرا ً من غيرهم لدماء الثوار و تراب الوطن . و عندما جئنا كوفد من طلاب الجامعة من أبناء الجبل إلى الشاعر رشيد سليم الخوري في الفندق في دمشق في الخمسينات نشكره على موقفه و شعره الغزير للثورة فأجابنا : أنا الذي يجب أن أشكر أسلافكم لدفاعهم عن تراب الوطن و لأنهم أعطوني المادة الصادقة لتسيل عواطفي شعرا ً و أدبا ً , و قد ذكرت له بعض الأبيات من قصيدته التي يقول فيها لقائد الثورة :

وثبت إلى سنام التنك                       وثبا ً علم النسر الوقوعا

فخر الجند فوق التنك صرعى           و خر التنك تحتهم صريعا

فيا لك أطرشاً لما دُعينا                   لخطب كنت أسمعنا جميعا

 

و في قصيدة أخرى يقول :

فرنسا ليس في حوران لحم               يسر نبيك يا أم الضباع

و هل لاقيت في حوران إلا               مأسد خلتها جهلا ً مراعي

رماح كالأفاعي مشرعات                و أقلام كأنياب الأفاعي

أطلي و أشهدي منهم هجوما ً             تري وثب القلاع على القلاع

 

و هذه مقتطفات من قصيدة للشاعر المهجري الياس فرحات :

يا سائلي عنهم أتجهلهم                    و هم الذين على العلا جبلوا

و هم بني معروف همتهم                 بين الكواكب و الورى مثل

اليأس يركب كلما ركبوا                   و الحزم ينزل حيثما نزلوا

و العدل يجعل شيخهم حملا ً             فإذا ظلمت استأسد الحمل

هم ناب سوريا و مخالبها                 و هي اللبوءة و العدى هُمُلُ

 

بعض القصائد الشعبية للمعركة :

إن القصائد الشعبية التي قيلت بعد هذه المعركة كثيرة و كثيرة جدا ً , و كلها تقريبا ً من النوع الذي يغنى على الرباب ’ أو غناء الخيل ( أغاني الفرسان ) أو أهازيج حربية ( الجوفيات ) أو قصائد فن ,,, و كلها تردد في المهرجانات و الحفلات و الأعراس ’ و كان الشاعر صالح عمار من أكثر الشعراء الذين ترددت قصائدهم في الموضوع , علما ً بأن قصائد نحم العباس كانت بليغة و غزيرة جدا ً أيضا ً ’ و هذه نماذج من تلك القصائد :

صالح عمار في قصيدة يا الله يا رب القدار : قصيدة فن

يا الله يا رب القدار                         يا خالق موج البحار

تخمد نار الأعادي                          يا ربي تعز الثوار

يا ربي تعز الدروز                        ع فرنسا خذون الفوز

مدافع و متورة لوز                        و أحرقنا الدبابة بنار

الدبابة و أحرقناها                          و الحملة وليناها

و العسكر خليناها                          مثل الشمايل و غمار

مثل الشمايل صاروا                       لما النشاما غاروا

من ضرب بني معروف                  ما ينحاهم درب الخوف

يا وقعة تل الخروف                       تشبه لوقعة ذي قار

يا وقعة تل الحديد                          تسمع للموزر هويد

كسبنا متر اللوز جديد                     فرنساوي شغل الشطار

و اختم قصيدي الغالي                     بحمد الرب العالي

و اللي بيصبر للتالي                       بيكسب من قصيد عمار

جوفية :

قمت ابتدي بالخطاب           ع الحرب قافي بناها           قمت ابتدي بالخطاب

بين حقوق الحراب             و اللي علينا اداها               بين حقوق الحراب

بالكفر من أول باب             و الحملة جاها بلاها           بالكفر من أول باب

بارودها و الطواب             بالعون علينا هداها             بارودها و الطواب

ع المزرعة و يا شباب        منهوي منكم نساها             ع المزرعة و يا شباب

و فرنسا صارت خراب       بسلاحنا حطمناها              و فرنسا صارت خراب

اثنا عشر بالحساب             و لا كاتب منهم حكاها        اثنا عشر بالحساب

سوريا أم العروبة              سلطان بسيفو حماها           سوريا أم العروبة

نختمها برب الأرباب          هالمعتلي بسماها               نختمها برب الأرباب

و يفكنا من العذاب              و العدو يقصر مداها           و يفكنا من العذاب

 

من ديوان صالح عمار : الديوان الشعبي بأسماء الشهداء المطبوع سنة 1961م

جوفية : أرجوزة حماسية سريعة :

يا الله و يللي حاجز موج البحر            يا معتلي لنّك دعانا تسمع

تجعل ساعدنا عاليا ً فوق البشر            قيدومنا يشبه شبيب التبّع

لصار حنا نجوم و سلطان القمر           خمس طعش نيسان و يوم يطلع

غربي السجن ع المزرعة و شرقي بصر           الدو الفرنسي بالمواطي منّقع

أهل نجران تفازعوا عند العصر           كسبوا الذخاير و الكلل و الدفع

مشروبنا يوم اللقا الدم الحمر                عدونا كاس الصبر يتجرع

يوم اللقا منفخت طبول الوزر               و سيوفنا بروس الأعادي قطـّع

كم فارس منا على الخصم انحدر          مثل الصواعق مع بروق تشلع

و قلوبنا يوم اللقا مثل الصخر              صويبنا رد الوصايا و ما وعي

ميشو هرب و ترايكا هج و ما صبر      تركوا طوابير العساكر قطـّع

 

جوفية : أرجوزة حماسية سريعة :

يا الله و يا ضابط للكل بحساب             يا رب و يا عالم بكل الخفيّا

جتنا عساكر ما تنضبط بالحساب         ع المزرعة نصبوا خيام العليّا

جانا المفزع ينادي الوطن يا أصحاب     يا بني معروف و يا أهل الحميّا

شدوا البيارق ع السفر قبل الغياب         و تحزموا بموزر اليفري المنيّا

حين الضحى غربوا بقلب ما يهاب        حس الموازر مثل نغي القطيّا

خاضوا المعارك و البزر سكب السحاب   رزم المدافع و القنابل دويّا

دمروا التنكات و العساكر و الطواب      كسبوا الذخاير و استحقوا التحيّا

عفيّ النشاما يا وجوه الأسد و ذياب       صنتوا هالوطن بالدما و الضحايّا

يا باشا و يللي لدم العدا شراب              يا بايع الروح بسوق المنيّا

 

جوفية : صالح عمار :

رعد هدر قامت بروقه تشلعي              تحدر سحاب من البرق طار السما

يا الله و يللي لدعانا تسمعي                 تظهر سعدنا ع الخصيم العايما

حنا الشمس هاللي بحره تسطعي           ننعش الميت اللي بلحده نايما

فرنسا بغانا من البحور و فزّعي           بالمزرعة حامت عليه الحايما

الذيب ينده للضبع كدوا معي                فعل بني معروف أحسن ولايما

ممدوح دمه بالخراب منقعي                زار اللحود و لا قامت له قايما

اللي أسير و اللي صويب يضلع            و اللي تشتت بالبراري هايما

سامي بغانا و للعساكر جمعي              خش الوطن نصب خيامه و خيما

لحقوا به أهل العبي المرقعي                جنب الكفر حامت عليه الحايما

السيف غير بيدنا ما يشبعي                 و فعالنا تشهد علينا دايما

المرجلة من راسنا ما تطلع                 جتنا وهب من خالق العوالما

 

الشاعر صالح عمار في قصيدة فن حربية عندما حاول الجيش الفرنسي فك الحصار عن القلعة :

يا فرنساوي شو جابك ع هالبلاد          ما منجيرها عادي و نحط عداد

ما منجيرها عادي بهالبلاد                  منحميها بالهنادي و سيف البولاد

من القلعة نيّح بالك لا تزهى لك            غير التعب ما ينالك يكفيك عناد

انكنك صرت مكلفها و مسقفها             بساعة وحدي نخسفها و ندعيها رماد

بفرد ساعة منحرقها و منطربقها          و رجالك منمزقها بسيوف حداد

عشيرتنا العربية حربجية                   من مصر لسوريا حتى بغداد

بيهون الموت علينا لو انتخينا               و الموازر بايدينا تفري الكباد

حسبتوها عوامي و لحمة و بامي          قبلك ممدوح و سامي عافون الزاد

و فزعتنا لبنانية مع سورية                 فارسهم ينطح ميّي و لا هم بعاد

للبلاد منحميها و منقذيها                     الأرواح الغالي نضحيها بسوق المزاد

 

الشاعر البدوي ( صبيح السرّاح ) من بدو نجران يصف معركتي الكفر و المزرعة :

 البرحة ما بت أنا الليل مشطون           يا رب لا تثقل علينا المصايب

يا هيه يا للي للركايب تدنّون                شدوا عليهم عزمهم و اللبايب

مرباعهم تسعين ليلة على الهون            يرعون الصحايح من رياض العشايب

ريضوا أودعكم شرب غليون               و سيروا عليهم مثل النعام الهرايب

أخذوا بوصايتي لو نويتو تمدون           عليهم أخو دوسه دليل الركايب

من دون سلطان الجبل لا تحيدون          يا ما ذبح للضيف حيلا ً غصايب

أحببت يا اللي نافل الراي و فنون          سلطان ساتر لاويات الذوايب

غيم تحدر يمنا مالو ركون                  يضفي على روس العلا و الجنايب

يمطر على حوران و الكفر من دون       يسقي رياض معذيات الطنايب

هذول الأرفاض اللي لينا يحكمون         جينا و جينا هم على غير طايب

بعين موسى و الطوابير حطون            قامت تخالط عجهم و اللهايب

بالمزرعة بسوق المنايا يبيعون            موزير هلل مثل رشق السحايب

رزم المدافع بأيمن و أيسر الكون           تقول رعود الصيف بأول هبايب

البرق يشلع و القصف كان مجنون        و صواعق ترمي النار كانّه سكايب

شرابة الدم الحمر ما يكنون                 زخراتهم و الخيل كله كسايب

قاموا على دهم الطوابير يمشون            نار و علقت بشناق زرع خصايب

عيال مدرز للعساكر يهبدون                و الدم لقرون النشاما خضايب

بزر المكرر يجعل العظم مسحون         لاما جزون الدور و العج قاطب

راحت على اللي بالكنايس يصلون         كثالكي و الروم ولوا هرايب

أرزاقهم راحت تقطع بميت مليون         خيول النقل و مدرعات الحرايب

كم وليد بملعب الجيش مرهون              و العمر عند الله والي السبايب

يا شور أخو بلشه به النصر مضمون     لولاه بحبس الروم رحنا جلايب

أخوات نصره بالشدايد يسدّون             يا ما لهم عادات يوم الحرايب

هوشوا عند بلادكم لا تذلون                 مرحوم من شكوا عليه النصيب

سلطان يللي دوم باسمك يهرجون          كأنك قصر برزان عالي المراتب

و اختم كلامي باسم خالق الكون           يا رب تنصر الأحرار ضد الأجانب

 

قصيدة للشاعر جاد الله بيك سلام سنة 1925م على أثر معركة المزرعة التي انتهت بنصر ساحق لصالح الثورة السورية الكبرى :

يا الله نطلبك الستر                           يوما ً فتل دولابها

شرابة الدم الحمر                             و الذل ما نرضى بها

جرد علينا من البحر                         عساكرا ً و طوابها

يوم انتصب سوق العصر                   و السوم عند رقابها

عافوا المدافع و الزخر                       و مصفحات جابها

عساكر مثل البحر                            بني معروف ذيابها

و بلادنا ما هي قفر                           بالدم نروي ترابها

عاداتنا ذبح الوزر                            و المرجلة نغوى بها

عيّنيك يا للي ما حضر                      حنا كفينا غيابها

يا بنت يا عين الصقر                        ريح النفل بجيابها

لا تاخذين الماصبر                          يوم الخوي ينخي بها

و خذين خيّال النصر                        و المرجلة عيّابها

 


منقول عن الاستاذ نمر المتني

 

آ – معركة المسيفرة : ( فذة في تاريخ الثورة )

بعد مؤتمر ريمة اللحف دعا قائد الثورة إلى الإجتماع في قرية " سهوة بلاطة " في 16 أيلول 1925م , وقد وصلت إلى الإجتماع رسالة من الثعلة من المجاهد محمد عز الدين جاء فيها ما يلي :

" نعلمكم أن الجيش الفرنسي قد تمركز في قرية المسيفرة و نصب خيامه على البيادر و الأراضي المجاورة لها , و حفر الخنادق و مد الأسلاك الشائكة حولها , و قد وصلت طلائعه إلى تلول خليف بحيث أصبحت تهدد قرانا القريبة بالخطر العظيم و قد اشتبكت خيالتنا معها مساء أمس و صباح اليوم , نقترح مهاجمة المسيفرة و تحريرها فورا ً قبل أن تقوى شوكة الفرنسيين فيها و تغدو قاعدة حصينة لهم , يشنون منها غاراتهم علينا "

و بعد المشاورة بالاجتماع لم تجد القيادة التعرض للعدو في منطقة سهلية , فقررت الانتقال إلى قرية كناكر الأقرب للحشود الفرنسية للالتقاء بعدد أكبر من القادة و أهل الرأي

و هنا تغلب الحماس الشديد على الرأي السديد في خضم الأهازيج الحربية و النخوات الشعبية , و بات الزحف العام على المسيفرة في ظلمة الليل الحالك أمر لا مفر منه لمباغتة العدو و إبادته قبل 17 أيلول 1925م , و هنا يروي سلطان الأطرش الوقائع بمذكراته كما يلي :

تقدمت الجموع بعد منتصف الليل بحذر شديد حيث توقفت قليلا ً قرب تلول خليف لتصل البيارق المتأخرة و يكتمل الحشد , ثم تابعت زحفها من جديد بعزيمة ثابتة و إرادة لا تقهر , و كان في المقدمة حملة البيارق من السويداء و أكثر القرى مع مشاهير القادة الأبطال مثل محمد عز الدين و نزيه المؤيد العظم و سرحان أبو تركي الديري و حمزة درويش و عبد الغفار الأطرش و عدد كبير من شيوخ الدين الأتقياء مثل سعيد الحلبي و سعيد الحناوي .

كانت القوات الفرنسية متحصنة داخل بيوت القرية , و قد حفرت الخنادق و الاستحكامات على محيط القرية , مع خطوط الأسلاك الشائكة و العريضة و الآليات المدرعة و مرابض الرشاشات الكبيرة و مدافع الميدان الثقيلة , و قد أشارت أكثر المعلومات لتعدادها بحوالي ألفي مقاتل بقيادة الكابتن " أندريا " .

حوالي الساعة الثالثة و النصف صباحا ً أشرفت مقدمة الثوار على خطوط العدو من الناحية الشمالية الشرقية للقرية في سهل منبسط فسيح يمتد على مساحة واسعة , و من هنا انطلق عيار ناري نبه قوات العدو التي أخذت زمام المبادرة , فأطلقت في الحال الأسهم المشعة التي أضاءت سماء المعركة و أمطرت الثوار بوابل من رصاص بنادقها و رشاشاتها و مدافعها , أوقع أكثر من مئتي ثائر بين قتيل و جريح في السهل المكشوف لنيران أسلحتها الغزيرة , مع ذلك استمر هجوم الثوار العنيف فالتحم بعضهم مع الجنود في استحكاماتهم بالسلاح الأبيض و اجتاز البعض الآخر بجيادهم الأصيلة الحواجز و الأسلاك الشائكة ليدخل القرية و يحتل الجبهة الجنوبية الشرقية منها و يركز راياته فوق أسطح المنازل , و راح ينازل الجنود في تحصيناتهم داخل بيوت القرية و في طرقاتها , فاستولى الثوار بذلك على كثير من الأسلحة و الذخيرة التي ساعدتهم على مواصلة المعركة داخل القرية , كما استولوا على اصطبلات الخيول و العتاد و التموين .

في صباح 17 أيلول 1925م شن الثوار الذين لم يتمكنوا من دخول المسيفرة ليلا ً هجوما ً نهاريا ً لسحق مقاومة العدو , إلا أنهم اضطروا للتراجع تحت ضغط نيران العدو المستميت و غارات طائراته التي بلغت سبعا ً و عشرين غارة خلال ثلاث ساعات " الكتاب الذهبي لجيوش الشرق " أمطرت الثوار بسيل من نيران القنابل و الرشاشات أبعدتهم حتى قرية أم ولد , لكنهم تقدموا بعد ذلك حتى تلول خليف و أرسلوا فصائلهم تهاجم الجناح اليساري و الجبهة الغربية للحملة الفرنسية لتقطع طريق الإمدادات عنها , و قد استولت على طريق درعا المسيفرة ثم طريق الكرك المسيفرة .

عند العصر تقدمت كتيبة الفرسان السباهية الفرنسية تهاجم الثوار داخل المسيفرة فتناخوا و أطلقوا أهازيج تشق عنان السماء , و اشتبكوا معهم في معركة حامية الوطيس ردت السباهيين على أعقابهم قبل المغيب , و عندما خيم الظلام تنادى الثوار للخروج من القرية التي كانت طرقاتها مليئة بجثث الجنود و الخيول , و غنموا كثيرا ً من الخيول و الأسلحة , و خرجوا من المنفذ الوحيد نحو الشرق تحت وابل من رصاص العدو الذي تنفس الصعداء , و انفرجت أزمته بخروج الثوار من القرية تاركين الرايات المنصوبة على سطوح المنازل لصعوبة نقلها بين الأسلاك الشائكة في الطريق الطويل المعرض لرصاص الجنود المحصنين في خنادقهم .

و يضيف سلطان الأطرش بمذكراته :

كان الانسحاب صدمة لقيادة الثورة التي كانت تواصل الجهد لقطع اتصال العدو مع مراكز امداده الرئيسية الثلاث " أزرع – خربة غزالة – درعا " لتشديد الحصار على الحملة و الإجهاز عليها في مواقعها , و قد فقدت الثورة بذلك أهم عنصر من عناصر النجاح في الهجوم عل المسيفرة , و أصبح من الصعب إعادة الوضع لما كان عليه , وتراجع الثوار تاركين حوالي 200 شهيدا ً قدموا أرواحهم الطاهرة فدىً للوطن في سبيل التحرر و الاستقلال منهم :

الشيخ سعيد الحجلي – الشيخ سعيد الحناوي – الشيخ سلمان حمزة و أولاده الخمسة ( يوسف و سليمان و مهنا و سليم و نصر الدين ) كما استشهد المجاهد عطا الله العودة من مسيحيي أم الرمان , و كان من ضحايا الغدر الفرنسي ثلاث من أعيان المسيفرة هم :

محمد الزعبي و عبد الحليم المصطفى و حمد الموسى , أعدموا رميا ً بالرصاص في أعقاب المعركة بسبب تأييدهم للثورة .

 أما خسائر الفرنسيين فقد قدرت بتسعمائة قتيل و عدد كبير من الجرحى بالإضافة للعتاد و الذخيرة و الخيول .

يقول الأستاذ منير الريس : معركة المسيفرة تعد من أكبر المعارك فخرا ً لأبناء معروف , فلولا الطلقة النارية التي نبهت الفرنسيين في بداية المعركة لدخل الثوار القرية في الظلام و أجهزوا على الحملة في تحصيناتها .

استغل الفرنسيون انسحاب الثوار من المسيفرة و طبلوا و زمروا لنصرهم الوهمي و عرضوا الرايات التي تركها الثوار على سطوح المنازل كأنها رايات كسبوها في المعركة بعد قتل الجموع التي تسير تحتها , و من دجلهم اعترفوا بعدد قليل من الضحايا " ضابط و خمس و أربعين جنديا ً قتلى و أربع ضباط و سبعين جريحا ً من الفرقة الأجنبية و ضابط و أربعة عشر قتيلا ً من الرماة التونسيين " كتاب جيوش الشرق "

و هنا يذكر قائد الحملة أندريا في مذكراته وصفا ً للهجمات قائلا ً :

كثيرا ً ما أذهلنا الدروز بشجاعتهم الخارقة حيثما كانوا ينقضون على قواتنا المجهزة بالرشاشات وجها ً لوجه دون أن يتخذوا متراسا ً أو أي شيء يقيهم رصاصنا المنهمر حتى يبلغوا الاستحكامات و يقتلوا الجنود فيها .

و هذه مقتطفات من دوتي من جنود الصف الفرنسيين : في كتابه الفرقة الجهنمية " الفصل السابع و الثامن و قد أوردها الأستاذ سلامة عبيد في كتابه الثورة العربية السورية على ضوء وثائق لم تنشر :

كان علينا أن ننشئ موقعا ً متقدما ً هناك في المسيفرة , و أن نذود عنه مهما كلف الثمن و المسيفرة مجموعة من البيوت الكئيبة ذات السطوح الترابية يتوسطها جامع , و كان من تبقى من السكان البؤساء فيها ينظرون إلينا شزرا ً و ما عتمنا أن علمنا أنهم متواطئون مع العدو و أنهم يعملون لحساب الدروز , ينقلون إليهم المعلومات الكاملة عن تحركنا و عن قواتنا أيضا ً .

بنينا ستة جدران صغيرة تحيط بالبلدة إحاطة تامة , و من ثم جدارا ً واحدا ً في الوسط في الساحة العامة .

كانت المعاقل متباعدة إلى حد يظل العدو تحت المدى المجدي لنيراننا , إذا حاول أن يقوم بأي هجوم على القرية , و تركز القائد و أركان حربه في بيت حجري محصن قرب الجامع , و تركزت كوكبة الخيالة التي كانت ترافقنا و هي كوكبة الفرقة الأجنبية و فيها عدد كبير من القوزاق , تركزت في قلب القرية , و كان معقل واحدة مستقلة كفيلة بالدفاع الذاتي , كان كل واحد خلف متراسه و عليه أن يدافع عن خط طوله خمسة عشر قدما ً " خمسة أمتار " و من ثم طوقت هذه الجدران الدفاعية بخط رفيع من الأسلاك الشائكة .

كنا ننام دوما ً و بنادقنا مشدودة إلى سواعدنا في مثل هذه المنطقة حيث كان الدروز بارعين لا يعرفون التعب في الزحف إلى داخل المعسكرات في الليل ليخطفوا من جندي غافل بندقيته و يفروا بها بعد أن يحزوا عنق صاحبها .

و لم نكن نكتفي بأن نشد بنادقنا إلى سواعدنا بل ننام فوقها أو نتوسدها , و كان مجموع رجالنا في هذا المعسكر ستمائة على الأكثر .

و في الساعة الثالثة و النصف صباحا ً كان أحد الرقباء يتفقد المخافر , فخيل إليه أنه سمع صوت حجر يتدحرج في المنحدر المقابل للمعسكر من جهة العدو , ألصق أذنه في الأرض فسمع حجارة تتدحرج و وقع مناسم جمال , فصرخ بصوته المدوي " إلى السلاح " فراح النداء يتردد من معقل إلى معقل , فوثبنا على أقدامنا و اتخذنا متاريسنا و ألقمنا بنادقنا , و هكذا كنا على أتم استعداد في تلك الليلة الباردة القارسة , مرت برهة دون أن يحدث شيء , كان قد حدث قبل هذا الإنذار في الليلة السابقة و لكنه كان إنذارا ً كاذبا ً سببه أحد جنود الفرقة و هو برتغالي صغير شبه مجنون , خيل إلينا أن ما حدث هذه الساعة هو شبيه ما حدث أمس و رحنا نشتم أجداد ذلك الذي أيقضنا , و لكن سرعان ما رأيت وميضا ً يسطع في الظلام , و أحسست برصاصة تأز فوق رأسي و في الحال اشتعل الظلام بنيران البنادق , و راحت جحافل الطلقات النارية تغني فوق رؤوسنا أو تأز على الجدران بأصوات شبيهة بمواء القطط , أطلق ضوء كشاف تكشف لنا على نوره أن المنحدر الذي يواحهنا و المسيل النصل بيننا و بين المنحدر و في كل جهة من الأرض المحيطة بنا كلها تعج بأشباح تزحف بصمت , و ما كاد الضوء يفضح سرهم حتى انفجروا بالهتافات المدوية الأشد شراسة و ترويعا ً , كنا نحن أيضا ً نطلق النار و لكن المرء في مثل هذه المعركة يطلق النار و هو لا يعلم أنه يطلق , كانت المعركة في البدء معركة مربكة رهيبة , لم يبق الفضاء من الأضواء الكشافة إلا القليل و كان الليل حالكا ً لا ينيره غير النيران المنطلقة من بنادقهم أو من بنادقنا , إلا أن عددا ً منهم تمكن من اختراق معاقلنا و الوصول إلى داخل القرية حيث استطاع المعقل و قيادة الأركان المحصنة بعناد مستميت , إلا أنهم تمكنوا من احتلال معقل الخيالة حيث قضي على 29 قوزاقيا ً من الذين يحرسونه , و من ثم استولى المهاجمون على خيول الكتيبة , و عندما بدأوا يفرون بها خارج القرية كان الفجر قد انبلج و أصبحت الرؤية أفضل , و بما أن الحصان أكبر من الفارس فكان التسديد عليه و قتله أسهل , و هكذا أخذنا نطاق النار على خيولنا ذاتها دون أن نفكر أنها لنا نحن .

نرمي الفرس فيرمى الفارس راجلا ً فاقد الرجاء , تطوقه نيران البنادق , قليلون منهم استطاعوا النجاة تحت حماية نيران إخوانهم التي كانت تنصب علينا من المنحدر , و من ثم طلع النهار فظن بعضنا أن كل شيء قد انتهى , و لكن ما حدث لم يكن منا إلا وشة مناورة أولى من العدو نجحت إلى حد ما , فقد حرمتنا من خيولنا و حولتنا إلى جماعة من المشاة خلال دقائق , كانت الشمس تشرق وراح نداء إلى السلاح ينطلق من جديد فوثبنا جميعا ً إلى متارسينا , كان المشهد الذي يواجهنا الأن مشهدا ً غريبا ً مشهدا ً مخيفا ً رهيبا ً , لم يكن الواحد منا مخمورا ً بنشوة المعركة , كان الدروز يتدفقون فوق المنحدر و تحت أقدام التلة و كأن الأرض هي نفسها التي تميد , خمسة آلاف منهم خيالة و مشاة بالمقدمة و خلفهم الفرسان و هم على استعداد لقيادة الهجوم خلال الثغرات التي تتركها فصائل المشاة .

كانوا جميعا ً بملابس الحرب الخفيفة بستر قصيرة و بلا عباءات , و كوفياتهم الملونة تتماوج في الهواء , كانوا يلوحون ببنادقهم هازجين مدمدمين و هم يتقدمون و في طليعتهم ترف أربعة أعلام سوداء كبيرة تحف بأميرهم .

عادت رشاشاتنا و بنادقنا تدوي إلا أن تلك الكتلة البشرية كانت تتقدم صوبنا في هجوم ضار ٍ مستميت و يتصارخون بعزيف يشبه الجن , مرددين يا الله – يا الله – يا الله .

كانت موجة الهجوم تتكسر بين الحين و الأخر على بضعة أمتار من متاريسنا و بين الحين و الأخر كنت أستطيع أن ألقي نظرة خاطفة على ذلك المشهد الغريب الرائع , لقد استطاع الهجوم الأول أن يصل بعض المهاجمين إلى داخل القرية , و قد كانت إلى يميننا و لطن دون أن يجتاحوا أي معقل من معاقلنا .

كان إلى جانبنا و بالقرب من ساحة القرية مزار " ضريح لأحد الأولياء " يتحكم موقعه بساحة البلدة , و في هجوم أشبه ما يكون بموجة تنساب فوق شاطئ رملي , راح الأمير يتوج ذلك المزار بأعلامه الأربعة السوداء الكبيرة ثم هز حصانه ليستدير صوبنا .

و في حركة واحدة ركز حرسه ذوي الألبسة الملونة تلك الأعلام فوق المزار و هم يغرسونها بعزم و قوة في الأرض كأنما يقصدون منها أن تبقى هناك إلى الأبد , و من ثم ترجل بهدوء في ظلال بيارقه المرفرفة و أخذ يدير المعركة من هناك , و فجأة تغطت سطوح القرية بالقناصة من المهاجمين و راحوا يغمرون معقلنا بنيران لم نكن نستطيع الرد عليها بسبب انشغالنا بالهجوم المنقضي علينا .

كانوا يتقدمون من ذلك المنحدر متدفقين من حجر إلى حجر و من جدار إلى جدار مثل شلال كبير و من ثم يندفعون نحونا في تلك الأرض العراء و كانوا كثيرا ً ما داهموا متاريسنا رغم غزارة نيران بنادقنا المتدفقة من كل صوب و إن بعضهم و الحقيقة تقال ماتوا في ظل متاريسنا تلك و عندما كان كل شيء قد انتهى و جدنا جثة واحدة من أولئك الدراويش الشيوخ الجبليين و يداه متشبثتان بجدار متراسنا , لقد كان يهاجم رشاشاتنا على يبدو و هو أعزل من السلاح , كان مسجى هناك و أصابعه متشبثة في الزاوية الداخلية من الحاجز و قد تطاير فوقها رذاذ من دماغ جمجمته المهشمة و قد أدهشنا أن نعد في تلك الجثة ثلاثين إصابة واضحة من طلقاتنا , كان الموقف يبدو ميؤوسا ً منه بالنسبة لنا , صحيح أننا استطعنا أن نثبت في معاقلنا و لكننا لم نتمكن من منع تسلل تلك الجماعات إلى  داخل القرية في حين كان القناصة من الثوار يمطرون معقلنا بوابل من رصاصهم , كانت موجات الهجوم متلاحقة لا تتخللها إلا فترات خاطفة من الاستراحة تتجدد فيها حماسة المهاجمين و اطلاقهم المستمت و هم يحدون , و هكذا كان حال معاقلنا الأخرى في مقاومتها فكأنما هي قوارب صغيرة يتقاذفها خضم هائج , لقد رأيت أولئك الجبليين المتعصبين يتقدمون نحونا و في أجسامهم عدد من رصاصنا يتقدمون ليموتوا في أسلاكنا الشائكة حتى الجرحى كانوا يتابعون في اطلاق النار كانوا مستخفين بالموت يطلقون النار بلا هوادة من وراء صخرة أو حتى في الأرض العراء هي أخر خلجة من خلجاتهم , لقد مرت بي ساعات أحسست في بعضها و كأني أعيش حلما ً لا حقيقة , لأنه انقض نحو متراسي فجأة عشرة من الدروز في هجوم مستميت فخيل لي أن حركتي قد شلت و ذلك لأتهم كانوا جميعا ً من الشيوخ بلحى مشعثة طويلة تتدلى فوق صدورهم و أحيانا ً حتى الركب .

تقدم أولئك الشيوخ القصيري القامة و القريبو المظهر متحدين نيراننا المركزة و كأنما هم أرواح سحرية من عالم غير عالمنا , ظلوا يتقدمون حتى أسلاكنا الشائكة و من ثم و بحركة واحدة راحوا يقفزون من فوقها و لحاهم فوق ركبهم و فجأة سقطوا جميعاً دفعة واحدة كانوا يحملون في أجسامهم عددا ً من الرصاصات منذ اللحظة التي انطلقوا فيها من وراء الجدار و إني أجزم بأن العديد قد ماتوا و هم وقوف على أقدامهم في تلك الهجمات المتلاحقة .

لقد تكوموا هناك حيث أخمدنا أخر خلجة من خلجاتهم بالقذائف اليدوية و فجأة ازداد الموقف تأزما ً , لقد كادت ذخيرتنا تنفذ و ها أن الدروز يستعدون بشن هجوم جديد لكن زئيرا ً في الفضاء بدأ يدوي و عندما رفعنا عيوننا نحو السماء شاهدنا سبع أو ثمان طائرات تحلق فوقنا و تقصف الدروز , و من ثم تنخفض أكثر فأكثر لتحصدهم برشاشاتها , ثم بدأت النجدات من الجيش تتوالى و بدأ انسحاب من تبقى من المهاجمين الذين كانوا قد احتلوا قسما ً من البلدة بعد قتال مرير من بيت إلى بيت , و في اليوم الثاني كان الشيء الذي أدهشني هو عدد القتلى من الدروز كانوا ممددين فوق الأرض العراء مبعثرين إما بين الجدران و المتاريس , فقد كانوا مكدسين مثل أكوام من الثلج كورتها العاصفة , ثم بدأ تطهير القرية , كل القرية , و من ثم أمر الكولونيل أندريا أن تجمع الجثث في صفوف أمام القرية لتكون عبرة إذ أن هذه القرية " المسيفرة " كانت تعتبر قرية طائعة قبلت الخضوع للسلطة الفرنسية و دفعت الضرائب إلا أنها أثبتت أنها قرية غدارة , و قد أرغم كل من وقع بالأسر من الدروز و الحوارنة على نقل تلك الجثث , و ما كادوا ينجزون ذلك العمل حتى أعدموا رميا ً بالرصاص , و قد علمت أنهم أعدموا جميعا ً , كان علي أن أشهد مأساة أخرى رهيبة لقد خسر أحد رفاقنا الألمان صديقا ً له في تلك المعركة , فملأ صفيحة من الماء و عمر مسدسه و أخذ يتجول بين الجرحى و القتلى الدروز ,فيقرب صفيحة الماء من الجريح حتى تلامس شفاه , ثم يفجر دماغه بطلقات مسدسه و من ثم فقد سألت ألم تدفنوا القتلى من الأعداء , فأجاب : لا لن نفعل لأننا كنا مشغولين بدفن قتلانا , و إنما أمكن في بعض الحالات أن نحرق جثثهم , أما الجرحى من الأعداء فلم نهتم بهم أيضا ً .

يعتبر أكثر المؤرخين و الرواة أن المسيفرة في تاريخ الثورة فخ كبير نصبه الفرنسيون للإيقاع بالثوار و استعادة فرنسا المتمرغة بالوحل على أرض الكفر و المزرعة , لكن أكثر المؤرخين يتساءل مثل سلامة عبيد في كتابه ص 153 :

لماذا تورط المجاهدون في مقابلة العدو في أرض سهلية مكشوفة , و كيف تعاموا عن ذلك الفخ المنصوب , فلم يستمعوا لرأي سلطان الذي لم يحبذ تلك المغامرة , ثم يجيب على ذلك التساؤل بإيراد العوامل المرجحة للهجوم و هي :

1 – نشوة النصر التي كانت لا تزال عارمة في نفوس الثوار تزيدهم حماسا ً بعد معركة الكفر و المزرعة .

2 – فكرة المباغتة و اعتقاد الثوار أنه يمكن الانتصار على الحملة قبل وصولها إلى الجبل دون التقيد برأي القائد الذي لم يكن دائما ً ملزما ً لكل ثائر .

ويذكر من عوامل فشل هذا الهجوم : فقدان عنصر المباغتة و بسالة الطليعة المتمركزة بالمسيفرة من أفراد الفرقة الأجنبية و مهارتها القتالية .

و مع أن المسيفرة ربما كانت فشلا ً لكنها تبقى واقعيا ً من أشد المعارك شراسة و أقواها تعبيرا ً عن البطولة و الإقدام .

 

د – المرحلة التالية لموقعة المسيفرة و إنقاذ الحامية المحاصرة في القلعة :

نترك الحديث هذا للكتاب الذهبي الفرنسي كما فعل الأستاذ سلامة عبيد في كتابه ص 155 :

أصبح إنقاذ السويداء فرضا ً لازما ً على أن وسائل جيش الشرق لم تمكنه من أن ينشط إلى هذا العزم إلا في شهر أيلول عندما وصل فيلق الرماة التونسيين السادس عشر الذي تكون منه جيش الإنقاذ , فتوافدت قوات هذا الجيش إلى المسيفرة في 22 أيلول حيث اشتملت على العناصر الآتية بقيادة الجنرال غاملان :

آ – المشاة بأمرة الكولونيل أندريا :

اللواء الخامس من الفيلق الأجنبي الرابع – ثلاثة ألوية من الرماة التونسيين – ثلاثة ألوية من الرماة الإفريقيين – لواء من الرماة السنغاليين .

ب – الخيالة : بأمرة الكولونيل ماسيت :

أربع كوكبات من فيلق الصباحيين المراكشيين – كوكبة من فيلق الصباحيين التونسيين – كوكبة شركسية بقيادة اليوتنان .

ج – المدفعية : ست كوكبات مدفعية :

بطاريتان من عيار 75 ( البطارية أربع مدافع ) – بطاريتان من عيار 65 .

د – شعبة فنية هندسة .

هـ - كتيبة دبابات مصفحة .

و – سيارات رشاشة – 3 كوكبات ( الكوكبة مفرزتان ) .

ز – قافلة الذخيرة بأمرة الكولونيل كورنيه تحمل 16 طنا ً من الخرطوش و 24 طنا ً من الذخيرة المتنوعة و 300 طنا ً من المؤنة و 18 طنا ً من الماء و 5 أطنان من البنزين .

ح – المصلحة الصحية : سرية واحدة .

 

أعد غاملان الحملة الكبيرة للتقدم على الجبل على الشكل السابق , و كانت الطائرات الفرنسية تقصف السويداء كل يوم تقريبا ً , و عشية الهجوم في 21 أيلول ألقت الطائرات الفرنسية البيان الآتي على قرى الجبل :

" من الحكومة المنتدبة إلى سكان جبل الدروز "

أيها الدروز : اقتربت الساعة التي تعرفون فيها قوة جيشنا و التي ستتحملون فيها نتائج ثورتكم , لقد اختبرتم مضاء سلاحنا في معركة المسيفرة و أنه لواجب أن نذكركم أن فرنسا لا تقاتلكم و هي مدفوعة بعامل البغض لكنها تعاقب المجرمين كلا ً بحسب جرمه .

إن الأشخاص ذوي البصيرة الذين يتركون منذ الأن السلاح و يقدمون خضوعهم سيكونون في مأمن فيما إذا استسلموا لأحد مخافرنا .

و كذلك نضمن الحياة للشيوخ الذين يأتون إلى دمشق لتقديم خضوعهم .

أيها الدروز : عودوا إلى رشدكم و قدموا خضوعكم , إذ لا يزال لديكم وقت للخضوع .

ألقوا سلاحكم , و تقلدوا بدلا ً منه المحراث لإنبات أرضكم فذلك خير لكم و لمستقبلكم .

 

لم يعطي هذا البيان النتيجة المرجوة منه , فلم يستسلم أحد من الثوار , و في اليوم نفسه رد سلطان الأطرش عليه بسخرية مرة فقال :

تناولنا اليوم دعوتكم الكريمة إلى السلم مع القنابل المتفجرة من الطيارات , فلم يزدنا هذا التناقض الغريب علما ً بالموضوعية الحاضرة , إن ما جاء فيها من التهديد المشوب بروح العطف يلفت الأنظار , لأن الجيش الذي اقتحم به سوريا هو كطياراتكم من عادته عند سنوح الفرصة أن ينفذ صامتا ً خطط الفتح من غير الإلتفات إلى عويل الأمهات و بكاء الأطفال .

تذكرون مضاء سلاحكم في معركة المسيفرة , و لم تذكروا مضاء العزائم الذي غنمت هذا السلاح في عقر استحكاماتكم , و سحبت الخيول من أيدي أصحابها المقتولون في سبيل الفتح و الاستعمار , و إذا كانت فرنسا كما تقولون لا تقاتل بعامل البغض بل تعاقب المجرمين بحسب جرمهم , فثقوا أننا لا نقابل إلا دفاعا ً عن الشرف القومي الذي عبث فيه موظفوكم و الحرية التي مات نحن أقدامها رجال ثورتكم الباهرة .

تقولون أن الأشخاص من ذوي البصيرة الذين يتركون منذ الأن السلاح يكونون في مأمن على حياتهم , إن بين البصيرة و ترك السلاح تناقضا ً ما كنا لندركه لو لم يكن له سابقة على عهد الحكومة الوطنية السورية لما آمنت بمواعيد أسلافكم فخلت جيشها في آواخر يوليو سنة 1920م و حكم على زعمائهم بالموت في آوائل أغسطس , إن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين و قبل الوقوع بمثل هذا الفخ عليكم أن تبيضوا الصفحات السود و تعيدوا إلى الشرق حسن السمعة التي كنتم تتمتعون بها قبل أن تطأ أقدامكم هذا الوطن المقدس .

تدعون إلى إلقاء السلاح و أن نتقلد بدلا ً منه المحراث , إننا ما حملنا السلاح إلا دفاعا ً عن هذا المحراث الذي هو فخرنا , إننا نريد أن نحمل المحراث لنحصد منه الخير لنا و لأولادنا و لكن إذا كانت ثمرة أتعابنا تذهب إلى بطون رجال أمثال من غرمونا ألاف القروش لفقد هرة في السويداء , و صفعوا أشرافنا و خيارنا لإستنزاف أموالهم , فأن السلاح يكون خير ضامن لهذا المحراث .

إننا نرغب بالسلم من صميم الفؤاد . و نمد إليها أيدينا و لكن على الشروط التي أذعناها في منشوراتنا السابقة .

أتبع بعد ذلك سلطان الأطرش الدعوات لاستنفار القرى و هذا نموذج من دعوات الاستنفار التي عممت على قرى الجبل لتلبي نداء الجهاد .

الثعلة – ولغا – ريمة حازم – قنوات – مفعلة

حضرة بنو عمنا بيكوات و أعيان و وجوه القرى المحررة أعلاه الأفخمين :

تحية و سلام , نبدي الآن طيه صورة عن القرار التي اتفقت عليه الأمل بعد الإطلاع كل قرية منكم على مندرجاته ( على ما جاء فيه ) العمل بموجبه تم مأمل حضوركم جميعا ً خيل و رجال و بيارق مع زهاب ( مؤونة أربعة أيام ) و الميعاد يوم الخميس القادم في 4 جمادى الأول سنة 1344هـ بقريتي عرى و المجيمر , و ها نحن مع عموم الدروز بانتظاركم و الأمل عدم التأخير كون الأمر لازم و ضروري و سلامنا لمن عندكم و أدام الله بقاكم .

                                                                              أخوكم سلطان الأطرش







 

شهداء السويداء - جبل بني معروف

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

سلطان باشا الأطرش

أهديكم هذا العمل بمناسبة عيد الجلاء

إعداد وتوثيق : بشار سمير أبو حمدان

 

القائد العام للثوره السوريه الكبرى : الجزئ الأول

 

 ولد سلطان في اليوم الخامس من شهر آذار عام 1888 الموافق 27 / رمضان ليلة القدر في القريا من والدين ينتميان إلى الأسره الطرشانيه فوالده هو ذوقان بن مصطفى بن اسماعيل الثاني . وأمه هي شيخه بنت منصور بن اسماعيل الثاني وهو كبير إخوته الثلاثه علي ومصطفى وزيد وأختيه : سميه ونعايم

 تزوج من إبنة عمه فايز وتدعى غازيه ولكنها توفيت بعد فتره قصيره دون أن يرزق منها أطفالا

 وبعد عودته من الجنديه تزوج من إبنة الشيخ إبراهيم أبو فخر من بلدة نجران وهي إبنة عمته شعاع وإسمها تركيه وقد رزق منها بجميع أولاده : طلال وفواز ويوسف وهؤلاء توفوا جميعا : ومنصور وناصر وطلال . والإناث : غازيه وبتلا ونايفه وزكيه وزمرد وعائده ومنتهى

 أعدم الأتراك والده ذوقان مع خمسه من أعيان الجبل في ساحة المرجه بدمشق وقد نفذ حكم الإعدام بهم تباعا في الأيام التاليه: بوالده ذوقان الأطرش ويحيى عامر : يوم الأحد في 5 آذار 1911 مزيد عامر وحمد المغوش : يوم الثلاثاء في 14آذار 1911

هزاع هز الدين ومحمد القلعاني : يوم الخميس في 16آذار 1911

وقد كان الشيخ أحمد الهجري شيخ العقل من جملة الذين حكم عليهم بالإعدام في المحكمة نفسها ثم أعفي عنه وعن عدد آخر من الشيوخ الأعيان

 خاض معارك ضد الأتراك منها معركة الكفر ومعركة مفعلاني

 تم سوقه للخدمة الإلزاميه بالجيش العثماني في شهر تشرين الثاني من عام 1910 ذهب بالقطار إلى دمشق فبيروت ثم إلى ميناء سالونيك وتم فرزه على ( آلاي ) أي كتائب الجيش الآلاي المتمركز في مدينة موناستير وشارك في الحروب العثمانيه على الفرداغ والجبل الأسود والأرناؤوط وكان عليه إتمام الخدمة الإلزاميه لمدة ثلاثة سنوات ولكن السلطة العثمانيه قبلت منه البدل عن نصف المدة الباقيه ومقدارها خمسون ليرة ذهبية . وأبحر عائدا للوطن مارا بجزيرة رودس في رحلة دامت 10 أيام حتى وصل إلى ميناء بيروت مع رفاقه الأربعة : فارس فرج وإسماعيل النبواني وفرح اللابد وسليمان الشماس ثم تابع سفره دون إبطاء من هذه المدينة إلى الجبل وذلك بالقطار حتى بلدة بصرى ...

بعد فترة وجيزة من دخول تركيا إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وتعين أحمد جمال باشا قائدا عاما للقوات العثمانية في بلاد الشام وحاكما عسكريا عليها فأخذ بحشد الجيوش في البلاد وراحوا يستغلون ظروف الحرب لإعلان الأحكام العرفية والتشدد في جباية الضرائب ومصادرة المواد الغذائية وسوق الشبان إلى الخدمة العسكرية على نطاق واسع

 ومن الجدير بالذكر أن مواسم الجبل الزراعية كانت خلال سني الحرب غنية بإنتاجها وفيرة بخيراتها فإمتلاءت حواصل البيوت بمختلف أنواع الحبوب والبقول وبيع مد القمح بليرتين عثمانيتين ذهبا ً وتضاعف عدد قطعان الأغنام والمواشي لوفرة المراعي

 ولما أطل على سوريا عامة ولبنان خاصة شبح المجاعة الرهيب واجتاحتها الأمراض والأوبئة الفتاكة أتيح لأبناء الجبل أن يعبروا عن أسمى تقاليد العرب الموروثة في مجتمعهم ففتحوا بيوتهم كمطاعم وفنادق وخانات للجائعين والمشردين والهاربين من الظلم والفارين من الجندية . فكان زعيم الجبل سليم الأطرش يقف عند باب داره ببلدة عرى ويشرف بنفسه على توزيع الخبز والبرغل المطبوخ بالسمن واللحم في الخلقين على المئات من الرجال والنساء والأطفال الذين يأتون يوميا وبيدهم قصعات الطعام وكان عدد اللاجئين إلى الجبل قد قارب الخمسين ألف نسمة أكثرهم من لبنان وسوريا والباقون من الأقطار العربيه المجاورة

 وأصبحت قرى الجبل ملجأ أمينا لعدد كبير من أحرار العرب ومنطلقا ً لنشاطهم السياسي المناهض للحكم العثماني الجائر ومن هؤلاء الأحرار نسيب البكري الذي حل ضيفا على حمد البربور في أم الرمان ثم نقل إلى سلطان باشا الأطرش قرار الشريف حسين بإعلان الثورة العربية ضد الأتراك ورغبة الأمير فيصل بالتعاون مع سلطان وأهل الجبل وعاد عن طريق البادية إلى مكة المكرمة برفقة بعض رجال الجبل والذين أرسلهم سلطان ليبلغوا قيادة الثورة صادق العزم على المشاركة الفعالة بها

 وكان أول صوت ينطق بالوحدة العربية أطلقه أبناء معروف على لسان البطل معذى المغوش الذي أنشد مخاطبا الأمير فيصل

 يا مير ما ودها سكوت *** لازم تزور بلادنا

 لابـد عاجلــق تفـوت *** وتشوف عج طرادنا

 أهل الجبل هيل الثبوت *** يفني العدو ملكادنا

 من مصر لساحل بيروت *** لنجد لبغدادنا

 من أجلها نحيا ونموت *** ونحمي حمى أجدادنا

 رجال العرب يا أهل البخوت *** بالسيف نحمي امجادنا

 وبعد أن فجع العرب بشهداء السادس من أيار إتصل بسلطان عدد من أحرار العرب كالدكتور عبد الرحمن الشهبندر والدكتور أحمد قدري ورفيق التميمي والشيخ سعيد الباني وعبد اللطيف العسلي وزكي الدروبي وعز الدين التنوخي ونزيه المؤيد العظم وتحسين قدري وخليل السكاكيني ورستم حيدر ومولود مخلص وخليل صيدح وقد شهد أكثرهم إحتفال سلطان مع أهل بلدته برفع العلم العربي فوق داره بالقريا وحضور نسيب البكري وجمهور غفير من أعيان الجبل وشبابه

 وحرص سلطان على إبقاء ما ينوي به سرا حتى يبقى الأمن في ربوع الجبل وحتى تتحرك جيوش الثورة العربية باتجاه الشمال . وعند نزول الشريف علي الحارث بالأزرق إلتحق عدد من القبائل البدوية التي كانت على إتصال مستمر مع سلطان بالأزرق وكان في السويداء حينذاك قائمقام يدعى نشأت التركي اشتهر بدهائه وحدة ذكائه ودماثة خلقه مما أكسبه سمعة طيبة في مختلف مناطق الجبل وبلغ من تقربه بلأسرة الطرشانية أن صار يوقع باسم نشأت الأطرش ولما علم هذا بنزول الشريف علي الحارث بلأزرق ساوره القلق وأخذ يستثير الهمم في أوساط المقربين إليه من الجبل بحيث أقنعهم بالحضور إلى القريا لزيارة سلطان ومفاتحته بشأن عقد إجتماع مستعجل في بيت عمه نسيب الأطرش في صلخد فتظاهر بالموافقة على عقد هذا الإجتماع الذي تقرر فيه

1- منع نسيب البكري من الإقامة في الجبل

2- العمل على إخراج الشريف علي من الأزرق

 وكان موقف سلطان هنا حرجا لأنه لا يستطيع أن يفرض وجهة نظره دون إراقة دماء فقبل البند الأول واستمهل تنفيذ البند الثاني . وبالفعل إنتقل نسيب البكري إلى قرية عنز حيث توارى عن الأنظار لبضعة أيام في بيت حسين الأطرش ثم عاد إلى بيت حمد البربور في أم الرمان

 وما أن انقضت أشهر الشتاء البارده من عام 1917 وأطل فصل الربيع بطقسه الجميل حتى قرر سلطان الجهر بالثورة وجعل بلدته القريا مقرا لها في الجبل ثم احتفل مع عدد من أحرار العرب برفع العلم العربي فوق داره وكذلك رفع العلم العربي على داره البطل حمد البربور في أم الرمان وباشر سلطان بتسيير الحملة الكبيرة التي كان قد أعدها من قبل إلى العقبة لتلحق بالجيش الفيصلي وكانت تتألف من حوالي ثلاثة آلاف هجان سار على رأسها أعيان الجبل : حمد البربور وأسد الأطرش وعبدالله العبدالله ومعذى المغوش وحمزه درويش وقبل أن يصل الجيش الفيصلي إلى درعا كان سلطان قد أنهى إتصالاته بمعظم القرى المواليه للثوره ليكونوا على أهية الإستعداد للسير بهم في مقدمة الجيش إلى دمشق وسرعان ما جاءته رسالة من الأمير فيصل يقول له فيها في جملة ما يقول ( أخي سلطان .. الملقى درعا غدا )

فاستنفر سلطان أنصاره فلبوا الدعوة مشاة وفرسانا ً وأقبلوا تحت بيارقهم الخفاقة كالسيل الجارف ولنه احتفظ ب 500 فارس وطلب من المشاة أن يعودوا إلى قراهم وينتظرون منه علما ً آخر إذا دعت الضرورة إلى وجودهم في جبهة القتال ومن بعدها سار سلطان ورفاقه المجاهدين نحو بصرى فاستسلمت حاميتها دون مقاومة تذكر واستولو على الأسلحة والذخيرة ومستودعات الحبوب ووزعها سلطان على الاهالي في نفس البلده ثم توجهوا الى الشيخ مسكين حيث التقو مع فريق من رجال حملة الجبل المشار اليها آنفآ

 كما إلتقى فرسان الجبل بقيادة سلطان مع عشائر عنزه بقيادة نوري الشعلان وطراد الملحم والحويطات بقيادة عوده أبو تايه وبني صخر بقيادة مثقال الفايز وحديثه الخريشه والحوارنة بقيادة إسماعيل الترك الحريري _ثم توجهوا جميعآبقيادة الشريف ناصر حيث طاردوا القوات العثمانية والألمانية المتراجعة _ثم توقفوا وفي مقدمتهم ثوار الجبل الأشاوس عند الكسوة حيث تمكن الأتراك من إقامة خط دفاعي حصين وتساقطت عليهم القنابل المدفعية الثقيلة بكثافة دون انقطاع وكان أشد مراكزهم قصفآ(تلول المانع)التي أحدثت في الجبهة ثغرات واسعة فانسحب كثير من رفاقهم وبعد قليل أصبح سلطان وأنصاره وحدهم في ميدان المعركة .وإضطروا للمبيت في قرية الدير علي ليضع سلطان خطة قتال مناسبة في اليوم التالي وقد إتصل به الأمير فيصل طالبآ منه الزحف إلى دمشق بأقصى سرعة قبل وصول الجيش البريطاني ومن الفرسان اللذين كانوا إلى جانب سلطان في هذه المعركة _حمد ونصار البربور_خلف الكليب السردي_فارس القطان السردي_فضل الله هنيدي_بهاء الدين جربوع _صالح أبو عسلي _إبراهيم رضوان _علي عبيد _هاني وسالم علم الدين _نسيب نصار _فارس ونمر حديفة _عساف النجم _جبرومزعل شلغين _سليم ومعذى المغوش_علي وصالح هلال _صالح وسلمان وداوود طرابيه_عبدالله وفرحان العبدالله_مرعي حاطوم_أحمد بركات _سالم الصالح_فارس فرج_يوسف البلعوس _قاسم وشهاب نادر_جبر الزغير _نايف وفهدأبو لطيف_حامد قرقوط_محمد السغبيني _قاسم رعد_محمود واكد_محمد الدبس_محمد الشعشاع _داوود قطيش _حمد فهد_يحيى عبد الحي أبو فخر_داوود وجادالله الصفدي_محمد الدعبل _حسين وابراهيم زهر الدين _ابراهيم بلان_سليمان العقباني_هاني وحمود النبواني_أجود المعاز_هزاع وسلمان أبوطافش_مهنا الهادي_شاهين أبو فخر –حسن وهبه_محمد مهنا_ابراهيم وحسن وحمود العاقل _هزاع مراد_صياح وأسدوابراهبم الأطرش وأخيه علي _وقام سلطان ورفاقه بحركة التفاف حول مواقع الأتراك وباغتوهم بهجوم صاعق وعطلو أكثر بطاريات مدفعيتهم وقاتلوهم في خنادقهم بالسلاح الأبيض حتى استسلم لهم من بقي حيآ منهم وفي مقدمتهم ضابط كبير هو رضا الركابي الذي أسره فرسا قرية الغارية وأحضروه إلى سلطان فلما عرف هويته العربية أمر بإعادة سلاحه إليه وأعطاه فرسآ وعاد معهم إلى دمشق _ودخلوا دمشق من جهة حي الميدان في 30/9/1918ووصلو إلى ساحة المرجة وهم يهزجون

 وسعوا المرجة ترى المرجه لنا

 وسعوا المرجه لتلعب خيلنا

 وسعوا المرجه والمرجله لنا

 وخيلك بو طلال تسبق خيلنا

 ورفعوا فوق دار الحكومة العلم العربي بيد المجاهد صالح طربيه وعلى صوت حداء البطل معذى المغوش

 عرش المظالم انهدم *** والعز طب بلادنا

 راحت عليكم يا عجم *** خوض المارك دابنا

 حنا حماتك ياعلم *** بارواحنا وأكبادنا

 وشكلت حكومة عربية مؤقتة يتولى إدارتها سعيد الجزائري وعندما وصل الأمير فيصل في 2 تشرين الأول عام 1918 ذهب سلطان مع رفاقه للسلام عليه فصافحهم فردا فردا وتحدث عنهم أمام الحضور وأشاد ببطولاتهم وخدماتهم الجلى التي قدموها للثورة . وما لبث حكومة سعيد الجزائري أن استقالت وتشكلت حكومة جديدة برئاسة رضى الركابي نفسه الذي تسمى بحاكم دمشق العسكري وعين الأمير عادل أرسلان معاونا له ومستشارا للأمير فيصل . ثم عين رشيد طليع مديرا للداخلية

 وقد اعتذر سلطان عن قبول أي منصب حكومي على الرغم من إلحاح الأمير فيصل عليه بذلك ومراجعاته المتكررة بهذا الخصوص حتى أنه لم يرغب بلقب أمير الذي منحه إياه الشريف حسين بالرسالة التي حملها إليه رضا الصبان بعد أن خاطبه هو وابنه في المكاتبات بلقب ( باشا ) في أوائل أيام الثورة

 لقد كان سلطان يتصل برجال الدولة أيام إقامته في دمشق ويحضر هو ورفاقه الإحتفالات في النادي العربي ويستمعوا للخطباء والمتكلمين من أعيان الشعب وكبار رجال الدين ( مسلمين ومسيحيين ) وأقطاب الأحزاب والجمعيات السياسية وفي مذكراته يقول سلطان باشا ( كان يتبادر في روعنا أن الوحدة الوطنية قائمة والحياة الإستقلالية الجديدة تسير في مجراها الطبيعي وأن لا مجال للشك في قدراتنا على مجابهة الأخطار العظيمة التي أخذت تحدق بالبلاد منذ أن اتضح موقف إنكلترا وفرنسا من القضية العربية على حقيقته وظهرت أسرار معاهدة سايكس بيكو للعيان

 ولما سافر الأمير فيصل إلى أوروبة للمرة الثانية في أيلول عام 1919 وعاد يحمل مشروع الاتفاق مع فرنسا فذهب سلطان لاستقباله في بيروت بصحبة الشريف ناصر وفضالله هنيدي وعبد الكريم خليل عز الدين فلاحظ إثناء مقابلته له أنه كان منقبض الصدر حائر الفكر غير مقتنع في قرارة نفسه بمشروع الإتفاق مع فرنسا فقال له بصراحة (لا جدوى للتفاهم مع الفرنسيين)وقبل أن يغادر بيروت حيث كانت جميع الوفود تذهب لزيارة الجنرال غورو في مقره بقصر سرسق فاقترح فضل الله هنيدي عليهم زيارته وبعد أن إستقبلهم الجنرال غورو بحفاوة راح يحدق بسلطان ويسأل الترجمان عن إسمه ولما سأله أحدهم عن مصير البلاد بعد الآن قال :إن سوريا لنا ونحن والإنكليز متفوقون فتبين لسلطان من خلال ملامح الجنرال غورو وأحاديثه الصارمة أن البلاد أمام غدر طاغ ٍقاهر لايعرف معنى للتردد أو التراجع عما صمم عليه.

لتأتي معركة ميسلون في 24 الرابع والعشرين من تموز عام 1920 وعلى أثر الأحداث دعى سلطان إلى إجتماع في بلدته القريا لبحث الموقف الراهن ولم تمضي فتره طويله حتى إكتمل الحشد وسار سلطان ورفاقه على رأس حملة من المشاة والفرسان وتعدادها نحو ثلاثة آلاف مقاتل بإتجاه الشمال حتى وصلوا قرية السجن فوصل خبر دخول الجيش الفرنسي دمشق وانسحاب الملك فيصل وحاشيته منها فشكل خينئذ وفدآ من حمد البربور وعبدالله العبدالله وصياح الأطرش للحاق بالملك وللإتصال به ولكنه أبحرإلى أوروبا قبل لقاء الوفد.

وفي ربيع عام 1921 تشكلت حكومة جبل الدروز المستقله برئاسة الأمير سليم الأطرش والشيخ خطار عبد الملك مرافقآخاصآ له .وتكونت البعثة الفرنسيه من الكومندان (ترنكا)والكابتن( كارييه) والملازم (بكمان)وما لبث أن إلتحق بها الملازم ( موريل)في السويداء والملازم (تاكيه)في صلخد والملازم(فرتييه)في شهبا.

وقسم الجبل إلى ثلاث عشرة مديرية لكل منها مدير وضابط يديران شؤونها وأنتخب أعضاء المجلس النيابي من معظم العائلات الوجيهة في الجبل .

وفي إثناء هذه الفترة قدم إلى الجبل ابراهيم هنانووحل ضيفآ أول الأمر في بيت علي عبيد بالسويداء ثم إنتقل بالخفاء إلى بيت نجم عز الدين في الثعلة ثم إلى القريا في منزل سلطان باشا وأطلعه على أحداث ثورته وكيفية إتصالها بثورة صالح العلي في جبل العلويين وحاول سلطان إقناع الضيف بالبقاء في الجبل وأبدى له إستعداده التام في تحمل جميع المسؤوليات المترتبة على ذلك لنه اعتذر وأصر على الرحيل إلى شرقي الأردن فأرسل معه ثلاثة رجال لمرافقته إلى بيت حمد البربور في أم الرمان ومن هناك سار بحراسة بضعة فرسان وصلوا به آمنا ً إلى عمان

 الثورة الأولى عام 1922

بينما كان سلطان يقوم ببعض الإتصالات في قرى الجنوب حضر شكيب وهاب ليلا ً إلى بيت حمد البربور فوجد الباشا هناك مع بعض الأقارب والأصدقاء وأخبره بأن أدهم خنجر يصحبه محمد الزغير قد وصل إلى القريا لاجئا ً على أثر مطاردة السلطة الفرنسية له بسبب الكمين الذي نصبوه للجنرال غورو ومرافقيه في موقع كوم الرويسة على طريق القنيطرة هو ورفاقه . فقتل الملازم ( برانات ) وجرح حقي العظم وكتبت النجاة للجنرال والقومندان كاترو . وذلك في أواخر حزيران 1921 . وفي اليوم التالي ذهب سلطان إلى قرية حوط وبعدها إلى داره في القريا فوصل في نحو الساعة الثالثة بعد الظهر وسأل عائلته وإخوانه عن الضيف المذكور فلم يكن لهم علم سابق به وأجابوا أنهم لا يعرفون شيئا ً عنه

 وما لبث أن تلقى سلطان في هذه الأثناء رسالة من أدهم خنجر نفسه يذكر فيها أنه قصد الديار مستجيرا ً ولكن السلطة المحلية اعتقلته عند وصوله إلى القريا وساقته مخفورا ً إلى السويداء وأن حياته مهددة بالخطر . فأوفد سلطان من فوره أخيه علي إلى السويداء لمقابلة المستشار الفرنسي (ترنكا)وبعث معه رسالة إلى عمه فارس ابراهيم الأطرش يرجوه فيها أن يتدخل بنفسه لإخلاء سبيل الضيف ،ولكن دون جدوى فجمع سلطان من فوره أهالي القريا وإتجه نحو السويداء بعد ان أرسل المفازيع إلى قرى الجنوب وتوافدت البيارق من المقرن إلى قرية رساس يسير تحتها نحو ألفبن من المحاربين وأخذوا بتطويق السويداء ومنع الدخول إليها والخروج منها وكلف أخيه مصطفى وخيالته بمراقبة طريق السويداء _الثعلة وإتخذ بيت نجم عز الدين مقرآ للقيادة .وبينما كان في بيت ظاهر القنطار بقرية كناكر وذلك في 21 تموز 1922 سمع سلطان طلقات البنادق والرشاشات فأسرعوا إلى مكان الحادث قرب تل الحديد حيث وجدوا المعركة دائرة بين مصطفى وخيالته وبين ثلاث مصفحات قدمت من درعا لنقل الضيف السجين إلى دمشق _فاستولو على مصفحتين وهربت الثالثة وقد قتل ثلاث جنود فرنسيين وضابط يدعى بوكسان وأسرأربع جنود ولم يقتل أحد من المجاهدين سوى مصطفى أصيب بجراح بليغة ولم يكن بوسعه فعل أكثر من ذلك وعلى أثر هذه الأحداث غادر سلطان في اليوم التالي إلى قرية العفينة ثم إلى القريا وفوجئ بآثار القصف الجوي الذي تعرضت له داره مساء اليوم الفائت ودار حمد البربور في أم الرمان أيضا ًفقال أحدهم لسلطان لقد هدم الفرنسيون دارك يا سلطان فقال له الدار التي لا تستطيع أن تحمي دخيلها يجب أن تبقى مهدمه إلى الأبد .وعزم سلطان ورفاقه الرحيل إلى الأردن فورآ _فنزلوا في ديار بني حسن وخيموا في خربة (رحاب)ومكثوا عشرة أشهر وكانوا موضع الإحترام من العشائر المجاورة.

وقدبعث سلطان برسالة للحكومة الأردنية مع أخيه علي إلى عمان يعلمهم بنزوله في أراضيهم وكان الجواب يتضمن الترحيب والموافقة ,ولكن السلطة الإنكليزية لم تكن راضية وعملت على تسليمهم للسلطة الفرنسية لولم يعمل الأمير عادل أرسلان على إحباط مساعيها بالتعاون مع رشيد طليع وحديثه الخريشا ومثقال الفايز وطراد بن زبن فعندما علم سلطان بأن السلطة الفرنسيه ترسل يوميا بعض قواتها من بصرى إلى برد والقريا للإستيلاء على المحاصيل ونهب المواشي وتخريب الدور ذهب في جولة إستطلاعية داخل حدود الجبل مع رفاقه وعند وصولهم إلى قرية برد وعملوا كمين قرب البيدر حيث كانت قوة فرنسية مؤلفة من كوكبة من الفرسان وبضع سيارات شحن لنقل الحبوب وفي داخلها بعض الجنود المسلحين قادمة من بصرى إلى برد وما أن اقتربت منهم حتى أمطروها بوابل من الرصاص فتراجعت تاركة ورائها عددا من القتلى والجرحى . وفقد المجاهدين فرسين وأصيب علي شقيق سلطان بجراح وقد أدت هذه الحادثة إلى حرق البيادر وتخريب الدور وضرب قريتي بكا وأم الرمان . وفي أيلول من نفس العام حضر إلى مكان إقامتهم في الأردن عامر أبو عامر من أم الرمان يحمل رسالة موقعة من يوسف الشويري وخليل صيدح وفارس أبو حسان يذكرون فيها بأن الفرنسيين يرغبون في المصالحة . وبسبب الظروف السيئة المادية التي تستدعي العودة إلى الجبل وافق سلطان على الدعوة وكانوا ستة عشر خيالا ً توجهوا إلى خربة ( القلو ) حيث كانوا ينتظرونهم هناك دون علم السلطة الفرنسية بهم . فقال لهم سلطان سوف نمضي الليلة هنا بإنتظار علم منكم فحاولوا إقناعه بالذهاب معهم للمبيت في ( سمج ) ولكن سلطان رفض بحزم وبقي مع رفاقه في ضيافة عواد السرور شيخ المساعيد وأمضوا حتى الضحى ينتظرون العلم منهم ولكن لم يحضر منهم أحد . فكلف سلطان سلمان طربيه وغازي العبد الله للذهاب والعودة بالخبر اليقين وما لبث الرجلان أن عادا وأفادا أن سمج مطوقة بالجند الفرنسي وعلم سلطان أنها مؤامرة . فوصل مع رفاقه إلى الوادي الذي يمر منه طريق سمج –بصرى وكمن في مكان يدعى ( دير الخريبة ) ولم يطل بهم المقام حتى قدمت القوة الفرنسية وتسوق أمامها الأبقار وهي تزيد عن مائة رأس وعددا ً من البغال المحملة بالمؤن والعتاد الحربي ودارت المعركة وتفرق الجنود الفرنسيين مذعورين من هول المفاجأة وصيحات المجاهدين المرعبة ومن ثم مر الثوار على سمج وأخرجوا المواشي الباقية وعلموا حينها أن خليل صيدح ويوسف الشويري وفارس أبو حسان قد تعرضوا للضرب والتعذيب بشراسة ووحشية وخسر الفرنسيين في هذه المعركة تسعة جنود والجرحى العشرون .

وفي مطلع عام 1923 تم الإتفاق مع عدد كبير من أعيان الجبل وشيوخه وفي مقدمتهم فارس ابراهيم الأطرش واسماعيل الحجلي وفواز عز الدين ومع الأوساط الفرنسية العليا في دمشق وبيروت على عودة سلطان ورفاقه وإلغاء حكم الإعدام الصادر عليهم . فتوجهوا إلى الجبل ووصلوا مشارف السويداء ومكثوا في مقام ( عين الزمان ) ليرتاحوا من عناء السفر فانتشر خبر وصولهم بين الجماهير المحتشده في الميدان للإحتفال بعيد الإستقلال . فهرعت الجموع للسلام عليهم ولم يبقى في الميدان غير عدد قليل من الجموع مما أغضب المستشار ( ترنكا ) وأرسل من يقول لهم بأنه لا يوافق على دخول بعض رفاق سلطان أمثال حمد البربور وشكيب وهاب . فأجابه سلطان قائلا ( إننا لم نقبل العودة إلى ديارنا كي نتخلى بسهولة عن هؤلاء الرفاق ) وهم سلطان ورفاقه بالرجوع ولكن سرعان ما إنفرجت الأزمة بموافقة السلطة على دخول الجميع وسط أهازيج الرجال وزغردت النساء فترجلوا جميعا وصافحوا المستقبلين وفي مقدمتهم الكومندان ( ترنكا ) وكبار الموظفين وشيوخ الدين والأعيان

 ولما حل الكابتن كارابيه وتسلم محل ترنكا ومام الأمور وآلت إليه مقاليد السلطة بكاملها وأخذ يعمل على تنفيذ المرحلة الثانية لسياسة فرنسا الإستعمارية المقررة في الجبل ودفعه طموحه إلى إتباع أعنف أساليب القهر والإرهاب في حكمه وأنذر أصحاب المضافات الكبيرة التي أطعمت ألوف اللاجئين اللبنانيين وغيرهم خلال الحرب العالمية الأولى بإنزال أشد العقوبات بهم إذ لم يغلقوها في وجه الضيوف والزائرين وتعمد الحط من شأن الشخصيات البارزة في المجتمع وكبار شيوخ الدين والأعيان بسجنهم دون محاكمة في مستودع الفحم وتشغيلهم في تعبيد الطرق وتكسير الحجارة وجلدهم بالسياط أمام المارة حتى يسيل الدم من رؤوسهم فذلك ما فعله على سبيل المثال ب

 الشيخ صالح طربيه وسليمان نصار وحسين مرشد رضوان وحامد قرقوط وولديه سعيد وتوفيق وفارس عزي وفارس هنيدي وجادلله سلا ّم وسلامه أبو عسلي وفارس مفرج واسماعيل مزهر وغازي الصفدي وأبو الخير وسلمان وجميل ونصر ومحمد رضوان ويوسف سرايا ووهبه العشعوش وعلي الفقيه ومحمد حاتم وحمدان الجبر وشاهين الباروكي وسلمان حمزه وخليل أبو فخر وكنج البحري وغيرهم كثر من كافة أنحاء الجبل

 فبدأ سلطان بالتشاور مع رفاقه في الأوضاع الراهنة وأجمعوا بأن لا جدوى من مهادنة الفرنسيين بعد الآن وإعداد العدة لثورة شاملة لمواجهة الجيوش الفرنسية الجرارة وآلياتها المدرعة وطائراتها المدمرة

 وفي يوم وقفة عيد الأضحى المبارك الواقع في الأول من تموز عام 1925 مر ّ سلطان بالسويداء يصحبه نحو مائة خيال قاصدين قرية سميع للتعزية بالوجيه الكبير حمود نصر مما أقلق الفرنسيين وجعلهم يحسبون لتحركه ألف حساب فكلفوا حسني صخر قائد قوى الأمن الداخلي بلإتصال بسلطان وتقليل عدد الخيالة فقبل سلطان وساطته للحفاظ على هيبته في الحكومة القائمة ولأنه كان يعتبره من الوطنيين المخلصين . وفي يوم 3 تموز 1925 إجتمع شباب السويداء في مضافة الطرشان والساحة الكائنة أمامها وكان عددهم يتجاوز 400 شاب وإنطلقوا وهم يرددون الأهازيج الحربية ويطلقون العيارات النارية حتى وصلوا ساحة السير وينددون في هتافاتهم العالية بسياسة كارابيه الظالمة ولكنهم فوجئوا بقوة مؤلفة من نحو مائة جندي من الحرس السيار بقيادة الملازم الأول ( موريل ) وأخذوا يضربونهم بالسياط وأعقاب البنادق مما أثار نخوتهم وأطلق البطل حسين مرشد رضوان النار من مسدسه على الملازم موريل فوقعت قبعته وتدحرجت على الأرض وأصيب بجراح في رأسه وجرج عدد كبير من جنوده فوصل الخبر إلى سلطان وجاء إلى السويداء ونزل دار المجاهد علي عبيد وكانت جموع الشباب الذين اشتركوا في المظاهرة تملأ طرقات السويداء وكانت أصواتهم الهادرة بالأهازيج الحربية وطلقات بنادقهم الفردية والجماعية توحي بأن الثورة قد أزف موعد نشوبها كما جاء في هذه الأثناء خبر المظاهرة الصاخبة التي قامت في صلخد وفرقها أبو عبسه – وعند عودة سلطان إلى القريا مر ّ بطريقه على قرية العفينه الفرنسيون بالقوة وأعتقلوا على أثرها عددا من أعيان صلخد منهم : أحمد جبور – أسد حمزه – حمد الشوفي – رشيد الجرماني – رشيد نرش – فضل الله فاستوقفه شيخ طاعن في السن يدعى علم الدين غانم وأمسك بعنان فرسه وصاح بأعلى صوته ( مرحبا بالموت يا سلطان في سبيل الحرية والشرف والكرامة مرحبا بالموت نصون به عرضنا ونحمي حمانا )

وبينما سلطان جالس في مضافته مع حسين مرشد وجمع غفير من الأهالي وصل الملازم ( فرتييه ) في سيارته وطلب التحدث مع سلطان على إنفراد وقال له بالعربية : إن الحاكم تومامارتان يبعث إليكم بأصدق تحياته وأطيب تمنياته ويرجو منكم الحضور إلى السويداء للتشاور معكم في الحلول السلمية للأزمة القائمة .

فضحك سلطان : فقال الملازم فرتييه هل في الأمر ما يضحك : فقال له سلطان : أتضنون أيها الفرنسيون أننا بسطاء إلى هذه الدرجة ؟! تعتقلون زعماء البلاد وقادة الرأي فيها بالحيلة والغدر وتطلبون منا التشاور في الحلول السلمية من السهل علينا الآن أن نقابل رؤساءك بالمثل ونلقي القبض عليك لتكون رهينة بيدنا ولكننا نأبى أن نتبع مثل هذا الإسلوب الرخيص – ثم صرفه تحت حراسة مشددة

 وفي الجبل منذ عام 1922 كان سلطان ورفاقه يعقدون الإجتماعات السرية في بعض القرى والمزراع للتداول في شؤون البلاد والتمهيد للثورة ومنها على سبيل المثال ( إجتماع مجدل الشور ) – والعمل على تكوين قيادات شعبية تنهض بأعباء الثورة في المستقبل وهذه العناصر التي إرتبط بها سلطان أقسمت يمين الولاء لمبادئ الثورة .

وأيضا إجتماعين سريين مع الدكتور عبد الرحمن الشهبندر بدار قاسم الهيماني بدمشق حضره نخبة من رجال الوطن

 وبدأسلطان جولته على قرى المقرن القبلي والشرقي ومكاتباته لقرى المقرن الشمالي والغربي لإستنهاض الهمم وتحرير الوطن وعندما وصل إلى قرية ملح استقبله عند مدخل القرية علي الملحم وخليل الباسط وأبلغاه أن سرية من الحرس السيار تعدادها نحو مائة جندي موجودة في القرية ولكي يرهب سلطان هذه القوة ويستثير النخوة في رؤوس الأهالي قام بعقد ميدان وحلبة سباق في ميدان القرية وراح بعض الفرسان يتصايحون أثناء الطراد ويطلقون الرصاص في الفضاء فخرج رجال القرية لإستقبالهم والبيرق يخفق فوق حامله البطل شهاب غزالي ثم نزل سلطان في منزل خليل الباسط وراح يكاتب قرى المقرن الشرقي والشمالي والغربي

 ثم إنتقل إلى قرية امتان فقام سلطان بعقد ميدان في القرية وما لبث أن أتى خيالان من آل الجمال وهم يرددون هذه الأهزوجه الحربية :

هيه يا هلا الخيل *** كاسبين النفايل

 بالميدان شاطرين *** وبالمفزاع قلايل

 حنا نعذي الدخيل *** وحنا حماة القبايل

 نطعن لعيون هلي *** مرخيات الجدايل

 فانتخى سلطان أمامهم وأطلق الرصاص وثارت تائرت رجال امتان الأشاوس وبدؤا بإطلاق النار تلبية لنداء الثوره

 وفي صبيحة يوم 20 تموز إنتقل سلطان إلى قرية عرمان فوجد أهالي القرية محتشدين تحت بيرقهم في الساحة العامة وأصواتهم الهادرة بالأهازيج الحربية تشق عنان السماء وفجأه ظهرت طائرتان حربيتان وأخذتا تحومان فوق الجموع فأمطرها الجمع برصاص بنادقهم وإذ بإحداها تصاب بعطب فتترنح وتهبط برفق في قرية امتان حيث أسر طياراها وإقتيدا بأمان إلى بيت علي الأطرش وقد ظلا في حمايته وضيافته

 وبعدها انتقل سلطان ورفاقه إلى صلخدوالتقت الجموع الوافده إليها بعدد كبير من اهاليها عند مشارفها وكان استقبالهم مثيرا للنخوة وحماستهم للثوره منقطعة النظير فاستولت هذه الجموع على القلعة ودار الحكومة فيها دون مقاومة . وكان قائد موقع دمشق الجنرال ( سول ) قد قدم إلى السويداء وجه منها قوة بقيادة الكابتن ( نورمان ) لإعتقال سلطان ورفاقه الثوار ولكنها في طريقها إلى صلخدإلتقت بالبعثة الفرنسية التي أجبرت على مغادرة صلخدفإضطر نورمان لأن يتوقف فخيم بقوته على مرتفع حصين شمال قرية الكفر وأرسل يطلب نجدة من السويداء فوجه القومندان ( مرتان ) في اليوم الثاني نجدة مؤلفة من مفرزة من الصباحيين المراكشيين ورتل من المصفحات الرشاشة لحماية القوة المتمركزة في الكفر وفي هذه الأثناء قرر سلطان ورفاقه الإنتقال إلى خربة ( العيين ) وأوفد رسولين إلى الكفر هما قاسم الأطرش وعبدالله العبدالله وعهد إليهما بالأمرين التاليين:

1 - مقابلة قائد الحملة وإعلامه ونصحه بإخلاء الطريق والإنسحاب بجيشه قبل فوات الأوان

2 – تسليمه كتاب وجهه إلى السلطات الفرنسية بالسويداء يحملها فيه مسؤولية الأعمال التي قامت بها . وعدم إستجابتها لمطالب الشعب الحقه

 وعندما وصل الرسولان إلى الكفر إتصلا بأسعد مرشد زعيم القرية وأطلعاه على المهمة فإرتأى عليهما أن يقوم هو بالمهمة . وعند لقاءه الكابتن نورمان قال له : إنني أنصحك يا حضرة القائد بصدق وأمانة بأن تغادر المكان قبل وصول سلطان لأن قوتك هذه لا تستطيع أن تقف طويلا في وجه الثوار . فثارت ثائرة الضابط وقال : إن هذا الملازم الترجمان يستطيع أن يسوق هؤلاء العصاة الدروز بعصاه من الصورة الكبيرة شمالا حتى العانات جنوبا

 وفي صبيحة 21 تموز 1925 بدأت الجموع تتوافد إلى مكان الإجتماع وسط مظاهر الحماس تحت بيارقهم .. ووصل بيرق ملح وحامله شهاب غزالي الذي لم يتوقف أبدا بل أخذ يثير الحماس وينتخي أمام هذه الحشود وتابع سيره نحو الكفر وأخذ يتزاحم هو وبيرق عرمان على الطريق وبقية البيارق الحاضرة لنيل شرف سبق الوصول للمعركة مما اضطر سلطان أن يطلق العنان لفرسه ويبلغ مشارف الكفر قبل طلائع المجاهدين ويعمل على وضع خطة للهجوم مع بعض رفاقه وهناك إلتقى مع أحد وجهاء الكفر وهو عبدو مرشد الذي أخبره بأن القوة متمركزة على هضبة وعرة مشرفة على ( عين العليقة ) من جهة الشرق وأن الجنود قد أقاموا متاريسهم بين الصخور المطلة على معظم ما حولها من أرض ٍ مكشوفة وركزوا الرشاشات الكبيرة والصغيرة مقابل الفجوات المؤدية إليها

 لم يستغرق إنتقال المحاربين من العيين إلى الكفر أكثر من ساعتين قام خلالها سلطان بتقسيمهم إلى فرقتين:

 

الأولى وتتالف من المشاة وكان عليها أن تسلك طريقا ً وعرة ً عبر كروم القرية لتقوم بحركة إلتفاف من الجهة الشرقية والثانية يتألف معظمها من الفرسان وقد إندفعت بسرعة جنونية إلى موقع العدو لتصعد إليه مواجهة من الجهة الغربية في جبهة ضيقة يبلغ عرضها نحو مائتي متر تقريبا ً وما هي إلا دقائق معدودة حتى أضحى العدو مطوقا ً من كل جانب واستبسل ضباط القوة وجنودها بحيث لم تصل طلائع الفرسان وحملة البيارف إلى ميدان المعمعة إلا بعد أن إخترقت أجسادهم عشرات الشظايا والرصاصات القاتلة وعلى من قصر مدة المعركة التي لم تتجاوز اربعين دقيقة كان الشيوخ والفتيان يقتحمون المراكز الدفاعية المحصنة لايحملون بايديهم سوى السنديان الثخينة أو الأسلحة البيضاء المتنوعة وهم يطلقون الصيحات المرعبة وصرخات الجنود الفرنسيون التعساء الذين مالت على رقابهم السيوف الباترة وهوت على رؤوسهم وأجسادهم البلطات والفؤوس القاطعة ولم ضباط الحملة وجهاز القيادة فيها أسعد حظاً من جنودها لقوا المصير نفسه وكتبت النجاة لأفراد قلائل تمكنوا من الوصول إلى قلعة السويداء بصعوبة وخسر الثوار في هذه المعركة أربعة وخمسين شهيدا ً عدا الجرحى والمصابين بعاهات دائمة وهذه المعركة قد أحيت الأمل وقوّت الأمل في نفوس الثوار ودفعت أكثرية المترددين في الجبل للإنضمام إلى الثورة

 

 وعندما وصل سلطان إلى قرية قنوات إستقبله أهلها بالنخوات الحماسية وإستضافوا جميع الرجال فنزل سلطان في دار الشيخ يوسف الهجري لأن الشيخ أحمد الهجري شيخ العقل كان قد وسطّوه الفرنسيون ليذهب مع وفد من شيوخ الدين ويشرف على دفن قتلاهم – وما لبث وفود كثيرة أن جاءت إلى قنوات من مختلف مناطق الجبل لتقديم التعازي بشقيق سلطان وهو مصطفى ورفاقه شهداء معركة الكفر وإعلان ولائها لمبادئ الثورة فقال سلطان يومها :

إن أخي مصطفى راح في يومه فداءا ً للوطن وإنني لم أأسف على فراقه أكثر مما أسفت على فراق الشهداء الآخرين واعلموا أننا سنفقد الكثير من أبناءنا وإخواننا في معارك قادمة لنتخلص نهائيا ً من ظلم الأجنبي وإحتلاله لبلادنا

 وبعدها قرر سلطان زيارة المقرن الغربي ليجمع كلمة أبنائه ويحشد قواته وخصوصا ً أن الأخبار التي كانت ترد إليه أن الفرنسيين أخذوا يجمعون قوات عسكرية كبيرة في محطة أزرع الحورانية لغزوا الجبل – وبعد الجولة على المقرن الغربي تقرر عقد إجتماع عاما ً في 30 تموز بجوار نبع قراصة والبحث في مسألة الحشود الفرنسية في محطة أزرع وأخذت بيارق القرى تتوارد إلى المكان من كافة أنحاء الجبل – وتقرر في هذا الإجتماع مايلي

1- متابعة الثورة , والوقوف في وجه الجيش الفرنسي الزاحف لمنعه من الوصول إلى السويداء

2- إعتبار القوات المحاربة التي حضرت الإجتماع نواة الجيش الوطني المنوي إعداده وتنظيمه في المستقبل

3- إتباع تقاليد الجبل الحربية المتوارثة بجعل بيرق كل قرية وحدة حربية متكاملة وأن تكون هذه الوحدة مرتبطة مباشرة بقيادة الثورة العامة

4- فتح جبهة حربية تمتد على جانبي طريق أزرع – السويداء من قرية تعاره ثم قرية قراصه شمالا ً وحتى قريتي الدور وسميع جنوبا ً

 وعندما تمركزت هذه القوات في المواقع المعينة لها على خط متعرج بلغ طوله ثمانية كيلو مترات تقريبا جعل سلطان مقر القيادة في قلب الجبهة إلى الشمال من ( رقة الصخر ) وسارع في إرسال قوة إستطلاعية تكشف حركة العدو وتقدر عدد قواته المتقدمة وأنواع أسلحته ومعداته فتسللت هذه القوة الإستطلاعية إلى ( خربة الحريري ) وإقتربت من مخيمات الحملة وإشتبكت مع بعض دورياتها عدة مرات – وفي صبيحة 31 تموز كانت بداية المعركة الأولى إذ إصطدم الجناح الأيمن للمجاهدين بطلائع الجيش الفرنسي المتقدمة وتمكن من إقتناص بعض ضباطها وجنودها في الدقائق الأولى من الإصطدام – ثم إنقض عليها الفرسان وإلتحموا معها وإستمر القتال العنيف حتى تقهقرت هذه الطلائع الفرنسية إلى مشارف بصرى الحرير

 

5-

وكان من جملة أبطال هذه العملية : علي أبو فخر – قاسم عزام – جادالله سلام – محمد شرف – حمزه درويش – هاني الشعراني – ابراهيم نصر – سلمان مسعود – سليمان علم الدين – حسن رجب – سلمان رضوان – وأبطال كثر غيرهم . وفي اليوم الأول من شهر آب عام 1925 أخذت قوات العدو تتقدم بسرعة كبيرة فطلب سلطان من جميع المواقع عدم إطلاق النار عليها إلا بعد وصول آلياتها المدرعة إلى مفرق طريق الدور- قراصه – وعندئذ حمي وطيس المعركة وراحت الطائرات تحوم فوق المجاهدين وتقذفهم بقنابلها الكبيرة التي زلزلت الأرض تحت أقدامهم وجعلت الذعر يدب في خيولهم وجعلت متاريسهم ركاما ً وبدأت خيالة العدو تضغط بقوة هائلة على الجناح الأيسر للمجاهدين جنوبي قرية الدور بعد أن جعلت من تل الخروف منطلقا ً لغاراتها الكاسحة وهنا لعب التهور وعدم الحذر من خطط العدو الماكرة لعبتها الخطيرة في إستنزاف القوة المجاهدة وإستشهد عدد كبير من الفرسان المشهورين بينهم : حمد البربور وأخوه أجود – عابد عامر – خطار أبو فخر – علي بلان – حمود الشاهين – ابراهيم العاقل – وهاني الهادي – حمد حامد – منصور نعيم – داوود قطيش – فارس الجرماني – محمد رعد – خليل وفارس علبه – سلمان برق رزق – وعدد من الجرحى – حيث جرت الواقعه على النحو التالي

 كان العدو قد نشر في السهل المنبسط شرقي تل الخروف وجنوبه عددا كبيرا من القناصة ورماة الرشاشات في حين شدّت فصائل من خيالته وإكتسحت مواقع خيالة المجاهدين ولا حقتهم حتى قرية سميع , ثم إرتدت على أعقابها بعد أن تكبدت بعض الخسائر ولكنها اتجهت في تراجعها وحسب خطتها المرسومة نحو مواقع القناصين ومرابض الرشاشات حيث وقع فرسان المجاهدين في هجومهم المعاكس بشرك تلك الكمائن وإنصب عليهم الر صاص مثل المطر فسقط منهم نحو ثلاثين شهيدآ دفعه واحدة.

وبذلك ضعفت المقاومة في الجناح الأيسر للثوار وإنشلت الحركة الهجومية فيه مما أتاح الفرصة لقيادة الحملة لفتح ثغرة واسعه في قلب جبهة الثوار ينفذ منها الجزء الأكبر من قواتها يتابع طريقه باتجاه السويداء _كان الوقت ظهر وأشعة الشمس المحرقة تلفح وجوه المجاهدين وتقابل الطائرات وقذائف المدفعية والآليات المدرعة تتساقط عليهم من كل جانب وكيفما توجه الإنسان يقع نظره قتيل مجندل أو جريح يستصرخ أهل المروة لإسعافه ونقله.

وهنا أبقى سلطان الجناح الأيمن متمركزآ في مواقعه الأولى على أمل أن يشد أزره ببقية القرى المجاورة وبخاصة قرية نجران _وتراجع سلطان مع رفاقه مائة خيال حتى وصل نبع المزرعة وهناك إلتقى المجاهد حسين مرشد الذي أخبره أن أهالي السويداء قد سدّوا طريق السويداء _المزرعة وأنهم أقسموا على عدم التزحزح من مواقعهم ولو مرت آليات الجيش الفرنسي على أجسادهم ومن ثم إنتقل سلطان إلى الفارعة ومنا إلى اسليم وفي المساء وهم في منزل يوسف مسعود وإذا بصيحات الفرسان تدخل القرية وتقول "البشرى لنا لبشرى لنا "فدخل على المضافة فرحان زيتونة _وعبطان النجم _فارس مفرج _وأخبروا الباشا "نعلمك يا باشا "أن أهالي المقرن الغربي ومن في ضيافتهم من المجاهدين قد قاموا بهجوم موفق على مؤخرة الحملة الفرنسية فذبحوا عددآمن ضباطها وجنودها واستولوا على جميع أسلحتها وهنا إستغل سلطان الموقف وأوفد الشيخ ابراهيم جربوع إلى السويداء- والشيخ سعيد طربيه إلى قنوات كما أرسل المفازيع إلى القرى ليستنفروا المقاتلين ويضربوا لهم موعدا ً بالمزرعة في الحال , وبقي أهالي المقرن الغربي ينتظرون الفرصه المواتية للإنقضاض على مؤخرة الحملة , وما هي إلا دقائق حتى إنطلق أبطال المقرن الغربي وغيرهم فاصطدموا بمجموعة يتكون منها آخر القسم الأول من الحملة المتقدمة وقتلوا مجموعة من الجنود وغنموا الأسلحة والذخائر – ولما رأى الثوار الآخرون ذلك قاموا بدورهم وإنقضوا على مجموعة أخرى من فصائل الجند وفي مقدمتهم فرسان قرية نجران الأشاوس فخاضوا معركة عنيفة حققوا فيها نصرا مؤزرا ً وغنموا عددا ً من الأسلحة والعتاد الحربي وساقوا معهم عشرات الأسرى ولم تلبث القرى الأخرى من المقرن الغربي والشمالي أن قام رجالها بهجمات مماثلة موفقة – وفي هذه الأثناء وصل رسول سلطان إلى السويداء فاجتمع رجال السويداء تحت بيرقهم وما أن بلغوا مشارف المزرعة حتى أخذوا يتأهبون لكبس العدو قبل أن يطلع النهار – أما سلطان فقد تحرك من اسليم عند بزوغ الفجر يوم الإثنين 2 آب 1925 وحين وصوله إلى المزرعة كان بيرق السويداء قد وقف مواجهة مع أرتال الحملة المستنفرة في سهل المزرعة ثم أخذت بيارق القرى تصل تباعا ً وتتوزع في جبهة طويلة منحنية حول المزرعة تمتد من قرية السجن غربا حتى الفارعة شرقا ووادي ولغا في الجنوب الغربي , بدأ بيرق السويداء هجمته الصاعقة الأولى فاخترق خطوط العدو من جهة القلعة القديمة والتحم مع مشاته وبعض مصفحاته إلتحاما ً مريعا ً , ثم أخذت البيارق الأخرى تضع ثقلها تباعا ً وتوسع الثغرة في ميدان المعركة وتنازل الجنود في خنادقهم ومرابض رشاشاتهم بالسلاح الأبيض كما إزداد نشاط المدفعية التي كانت تقذف المجاهدين بحممها من مرابضها الواقعة خلفها خطوط العدو وكذلك الطائرات التسع التي كانت تقذف مراكز تجمع الثوار ولكن سرعان ما قصر نشاطها على التحويم المنخفض فقط بسبب الإلتحام الشامل مع الجنود , وكان الشبان يتربصون للمدرعات ويكمنون لها حتى إذا إقتربوا منها قلبوها على أكتافهم - --- وعند الضحى أوعز سلطان إلى فريق كبير من الفرسان بتغذية الهجوم فانقضوا على جناح العدو الأيمن وفتكوا بجنوده وقد لعب بيرق الثعله دورا ً عظيما ً في تلك الغارة الموفقة – وهنا لاحت لحظة الهجوم على قلب العدو ومراكز دفاعه الرئيسية فاندفع بيرق السويداء من جديد إلى ميدان المعمعة يسانده في الميمنة مشاة البيارق وفرسانها فتمزقت صفوف العدو وإنشلت حركته ودبت الفوضى في مختلف مواقعه وفقدت القيادة تنفيذ أي خطة للتراجع المنتظم – لقد إندحرت الحملة الفرنسية إندحارا ً كاملا ً التي كان عدد جنودها يفوق الثلاثة عشر ألف جندي وعن لسان سلطان بأن الذين قتلوا من الحملة الفرنسية ينوف التسعة آلاف قتيل بينما لا يتجاوز عدد المجاهدين الأربعة آلاف مجاهد من كافة الجبل حيث إستشهد منهم في هذه المعركة 341 شهيدا ً عدا الجرحى والذين أصيبوا بعاهات دائمة – إن كارثة الحملة الفرنسية في "المزرعة "شغلت بال الحكومة الفرنسية ونوقش موضوعها في البرلمان الفرنسي واهتمت بها كبريات الصحف الباريسية وأيضآ بعض الصحف الأوربية في لندن وروما وبرلين _واستدعى الجنرال ميشو إلىباريس للتحقيق معه وأن الجنرال غاملان قد حلّ محله في القيادة الفرنسية لجيش الشرق .

ولم تجد السلطة ما يغنيها عن طلب الهدنة ووقف القتال في الجبل وكان وراء ذلك:

1_إيجاد وقت كافٍ لإستقدام الجيوش إلى سوريا

2_الإيقاع بين زعماء الجبل وتفريق الكلمة

3_إطفاء جذوة الحماسة المتًقدة في نفوس المواطنين

 ففي الثامن من شهر آب 1925 حضر غبدالله النجار إلى قرية الثعلة حيث كان سلطان ورفاقه مجتمعين في دار نجم عز الدين فعرض علينا فكرة الهدنة وتقديم شروطنا وهي :

1_تبدأ المفاوضة بحضور الأمير فؤاد أرسلان

2_المدى القصوى للمفاوضة 3 ثلاثة أيام

3_إطلاق سراح المنفيين من زعماء الجبل والمعتقلين من شبابه مقابل تسليم أسرى الفرنسيين

4_وقف الغارات الجوية على قرانا وضرب المدفعية من قلعة السويداء .

ولمّا عُرضت هذه الشروط على الجنرال سراي رفض الشرط الأول .وفي 12 آب حضر الكابتن " رينو"ويوسف الشدياق وعبدالله النجار إلى بلدة عرى لإستئناف المفاوضات فتقرر الإجتماع في " المجيمر" الموافقة على إعلان هدنه من شروطها الأساسية

1_دفن قتلى الجيش الفرنسي في المزرعة

2_مبادلة الأسرى الفرنسيين بالزعماء المنفيين والشبان المسجونين.

وبعد أن تم هذا صار إجتماع المجيمر الثاني في 15 آب 1925 تقرر ندب كل من سليمان عبدي الأطرش _هايل عامر _فضل الله هنيدي _محمد عز الدين _سليمان نصار _لدراسة الشروط التي تقدم بها الكابتن "رينو"باسم الجنرال سراي وهي :

1_إعادة الأسلحة التي إستولى عليها الدروز إثناء المعارك الحربية

2_القبول بعودة الحامية الفرنسية إلى سابق مراكزها في الجبل

3_التعويض على تجّارالجبل مانهب من دكاكينهم إثناء الحوادث

4_دفع غرامة حربية قدرها خمسة آلاف ليرة عثمانية ذهباً

 ولكن الوفد المشكّل من قبل سلطان قد إعترض على هذه الشروط وأبدى للكابتن "رينو صعوبة تحقيقها فقد رأى أخيراأن يعوض على الوفد الفرنسي المفاوض شروطآأخرى للصلح هذه أهمها:

1_إصدار عفو عام مصدّق عليه من رئاسة الجمهورية الفرنسية وعدم التحقيق في حوادث الثورة

2_عدم إدخال قوات عسكرية فرنسية الى الجبل والتمركز فيه

3_عدم تدخل المستشار الفرنسي في شؤون الحكم على أن يكون هذا المستشار هو الكابتن "رينو " نفسه

4_تشكيل حكومة وطنية جديدة في الجبل

5_ينتخب الشعب خاكمآ وطنيآ ومجلس أعيان بإشراف لجنة خاصة منتخبة

6¬¬_لا تجول الحكومة الفرنسية دون رغبة الدروز للدخول في الحدة السورية

7_عدم نزع السلاح من أيدي الدروز

8_إلغاء وظائف المستشارين في الأقضية ووظائف جهاز الأستخبارات السابقة .

وعندما زار سلطان صحفيان المانيان وزارا ساحة معركة المزرعة وكادا أن لا يصدقان ما شاهداه هناك سألاه عن رأيه في قصة المفاوضات الدائرة من أجل عقد الصلح مع الفرنسيين فقال لهم سلطان إن الفرنسيين لا يسعون جديا ً إلى السلم في مفاوضاتهم وإن شروط وفدنا المفاوض سوف لا يحقق الجنرال سراي شيئا ً جوهريا ً منها – إنهم يريدون إلهائنا ريثما تصل قواتهم العسكرية الجديده التي بعثوا يستقدمونها من فرنسا أومن مستعمرات قريبة وأما نحن فسوف لا نعيد الأسلحة التي غنمناها في ساحات القتال ما دمنا على قيد الحياة ولا نرضى إلا بإستقلال سوريا ووحدتها الكاملة وإقامة حكم وطني دستوري فيها ----- وأخيرا ً وصل وفد من دمشق في 17 آب يتألف من أسعد البكري – توفيق الحلبي – زكي الدروبي – فأعلنوا تأيدهم للثورة بإسم الحركة الوطنية بدمشق وأكدوا إستعداد المواطنين في سوريا عامة ً المشاركة بالثورة فإغتنم سلطان الفرصة وعرض عليهم خطة عمل مشتركة لتحرير دمشق وهي إرسال حملة كبيرة من الجبل تلتقي مع حملة دمشقية مماثلة في جهات ( العادلية ) أو ( الكسوة ) الواقعتين جنوب دمشق حيث يتشكل منهما جيش وطني يدخل العاصمة من عدة جهات على أن يكون اللقاء يوم 24 آب 1925 , فوافقوا على ذلك بحماسة شديدة – وعندما عاد الوفد إلى دمشق ليعمل على تنفيذ الإتفاق المشار إليه – دعى سلطان إلى عقد إجتم



مسا الخير

ـ المرحومة شمّا حيدر من قرية الخرسا ( زوجها من آل ابو عاصي من قرية نجران ) :

عندما هب الدروز لمواجهة الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال ميشو عام ( 1925 م )... وقد تجمع المجاهدون في عدة مناطق قريبة من خطوط النار وفي القرى القريبة من الجيش الفرنسي , وفي بلدة نجران يستقبل الثوار رجلٌ من آل ابو عاصي في بيته ليقدم لهم واجب الضيافة المعروفية ويقال أن الثوار الذين حلوا عنده كانوا قرابة الثلاثمائة ثائر توزعوا في مضافته وفي ساحة بيته وقدّم لهم ( المناسف ) المعروفة وهَمّ ليسكب السمن فوق زاده ( القـُفرة ) فانتخت زوجته شمّا حيدر أمام الناس وطلبت من زوجها أن يسمح لها بسكب القفرة على الزاد , وعندها قال لها : ( إنتي إخت الرجال وكفو ) وأعطاها ( الكبشة ) وبدأت تسكب السمن على الزاد وهي تنخي بصوت اللبوءة قائلة : ( هذا الزاد للأبطال والفرسان اللي جايين يحموا أرضهم وعرضهم , هذا الزاد للي بدّو يقلط قدّام ربعوا على الموت , هذا الزاد للنشاما المغاوير ) وهي تصرخ بهذا الكلام وتزغرد مع كل قفرة منسف , وانتخى الثوار ووصل حداءهم عنان السماء , وكانت رحمها الله شرارة عز ٍ وحماس لهؤلاء الرجال الذين استبسلوا في معركة المزرعة والذين دحروا جيش الجنرال ميشو عن بكرة أبيه.

تطري لهــنْ مِـن حَر قلــبي دوالـــيف ... قلـــبٍ على مـا قــال لِهـبَن شـْغافه

هذا الذي يطــنب مع خـــويفـقي طيف ... راعــيه من طـاريه يرشـف سُلافه

يـا دار عــّذوكِ القـْــروم الغــطـاريف ... بدْمـــومهم ردّون عــنـْكِ الحســافه

وافــعال نشــميّـات مـــا هِيْ سـواليف ... وَقـْع الحَــدَث ربّ المخــاليق شافه

يوم اللجا ترجف بْهـَمس المضـاعيف ... بَسْط المغــاير قـام صَرْك الضعافه

عيالٍ تبــدّوا فوق عِسْـــــر المجاذيف ... إبعــَد الشــط وْ عَـز قطع المسـافه

طفلٍ تباكى يطلــب مْن امّـــه رغيف ... والموت حــايم فـوق هَـــكّ المخافه

لين اصطـلى من كـلْ وَنـّه بها حـيف ... وستر العــذارى وَقــَمْ دَشّ النجـافه

يا عين مُـرّة جفــنها يرخِص الــرّيف ... وفلـذة كبـيدة هَـزهَـزت بارتــجافه

هَـــدّت علــيه بْهــِدْمها والمـــراجيف ... يــا وَيّ قلـــبٍ كــَن تِـمزّع غـْلافه

تخــلـّجَــت لاما قضـــى بالمحاقــيف ... لــعين سِــــتر مْــلـَوّيـــات الغـدافه

وْ ممدوح لــَعرمان شَــــد الزواحيف ... يالــين ربــعه ذ ُبّـحـوا بالمــضـافه

يبغى لهم ثــارات عــند المشـــاريف ... قـُل ما حسب ينكص وَلِيش المعافه

عرمـــان ماجت بالــقـلوب المعانيف ... وطحيمر ابـرق يــَم صلخد مطـافه

صربة مـَلح مــا جَـنّـبـَت بالمحاريف ... يـوم الغــزالة تـْلفــّعَـت بانـخســافه

هبـّوا النشــاما كلْ ضـوح ٍ تلى سيف.... وسعـدة مع الميــدان تزرع صَلافه

اللـبــوة اللـي زمْجــَرت بالــمنــاكيف ... قامــت تنــاخي كـِلْ منكـِف تـلافى

وارواح لــَرضوان فاضن مخــاطيف ...لامـــا جَــرع ممــدوح ســمٍّ زعافه

ناهـــيك عن ميشــو بْـجَرد التــكاليف ... يبغـى على ثارات (نورمن)خلافه

إسمَك عَمُود الجيج جيش وعواصيف ... ثــارت تنسّــــم ريحـها بالـتــــفافه

راجت بني معروف ويـن وبعـد كيف ...عالزاد وَدّهـُـم يقلــْطون بْـــكــلافه

صبّت قــْـفار العـز فـوق الخـواريف ... الحــيدريّة وْ زلغــطت مـع هُــتافه

اللـي يريد الذل مــا هــُوْ لنا ضـــيف ... قـَلـْط المنايـــا غير قــَلـْط الضيافه

ولعــيون شمّـــا ذيّــبوا بالمشــــاليف ... مــاجوا تقل بـحرٍ تمــاوَج ضـْـفافه

ســيوفٍ ضــَميّة صيّروها مـراعيف ... وبالمزرعة جــيش الفرنسي تهافى

وْرجواك بستان السـيوف المراهيف ... ضــوع المكارم من رْدونه تضافى

بشْموخ وِقـْـفت والخـْفوق المواجيف ... تلقى علــى مــَد الزمان اشـــتفافه

قالت وْصــادي قولــها مـابَـه الزيف ... دمّي فــدى ربعـي وْهـاك اعترافه :

كفٍ تســوم الحـق ســـوم المخاسيف ... ما خامســه لو طــَب عيني كــَفافه

هذي خـــلايا عْروقـنا لا صــواديف ... رحــوم ٍ تصــدّر كلْ حُر بْخـَلافه

مِـن كربلا زيــنب وْشُـــمّ المزاعيف ... وْخــولة وخنسا وْكل غيدا بْعَفافه

سَجّـل على شمروخ نابي المشاريف ... للشمـس حنــّا نـورها والـتـصافه