- 1894 - 1925
Fuad Salim (discoverlebanon.com)

المرجع ... صفحة لبنان في اللغة العربي
عرفت الأمة العربية عبر تاريخها كثيرا ً من الحروب والأزمات والكوارث، كما مرت في ظروف قاسية ومحن فظيعة، هزت كيانها في الصميم، وزعزعت كثيرا ً من معالمها ومقومات وجودها، وهددت حياتها في أحيان كثيرة؛ لكنها، رغم كل هذه الأهوال، بقيت كالقصبة في مهب الرياح، تنحني ولا تنكسر؛ ذلك لأنها، في المقابل، خلقت أفذاذا ً من الرجال والقادة، خرجوا من رحمها أوفياء ومخلصين لكل ما يمت الى تراثها وتاريخها وحضارتها ومستقبلها بصلة... يبدون وكأنهم "تفبركوا" في عرينها ومصنعها، تماما ً كفبركة الآلة التي صنعت لتقوم بدورها كاملا ً غير منقوص، وتؤدي واجبها على أكمل وجه... وبالفعل، كان هؤلاء الرجال بمثابة حبات اللؤلؤ في عقد هذه الأمة، يطوقون جيدها بكرامة واباء، لتبدو بكامل أناقتها وعزتها في ساعات الامتحان... ولم يكن المجاهد فؤاد سليم الا أحد هؤلاء الرجال الأفذاذ من القادة الكبار، هوى في ريعان الشباب، ولما يتجاوز الواحد والثلاثين ربيعا ً من عمره، فكانت خسارته جسيمة على الوطن والأمة والثورة والقضية، تماما ً كما كانت على جميع عارفيه ومحبيه ورفاقة الجهاديين. وبالمقدار نفسه، كانت فرحة الانكليز والفرنسيين كبيرة بموته لأنه كان كابوسا ً ثقيلا ً على صدر الجنرال غورو وهربرت صموئيل، خاصة، وعلى الانتدابين: الفرنسي والبريطاني، بشكل عام.

ولد فؤاد سليم في بلدة "بعقلين" في منطقة الشوف، يوم 11 تشرين الثاني 1894. كان والده يوسف، الطبيب الرسمي لقضاء الشوف، وهو أول طبيب درزي يتخرج من الجامعة الأميركية في بيروت، وهو من قرية "جباع" الشوفية؛ ولذلك، فقد كان - بحكم وظيفته - كثير التنقل في مراكز القضاء، مما أوجب على ولده فؤاد أن ينشأ ويترعرع في أرض الجبل، تغذي فيه روح الحرية والمحبة والألفة والتضحية، الى جانب صفات الشهامة والكرم والوطنية.

دخل فؤاد في سن مبكر مرحلة التعليم الابتدائي في مدرسة "المعلمة هيلانة" في صيدا، ثم في مدرسة المعلم طانيوس سعد في الشويفات، والمدرسة الداوودية في عبيه، ثم دخل الجامعة الأميركية في بيروت، لكنه لم يمكث فيها مدة طويلة لاصابته بحروق مؤلمة في رجليه حالت دون عودته الى الكلية.

بعد ذلك، ألحقه أبوه في مدرسة "المعلم جرجس طعمة" بالمختارة، حيث أتقن اللغة الانكليزية، ثم انتقل الى الكلية العثمانية التي كان يديرها الشيخ أحمد عباس الأزهري، فعين بها مدرسا ً لمدة سنتين، ثم انتقل بعدها الى مدرسة "بسكنتا" فدرس فيها سنتين أيضا ً.

والملاحظ، أنه منذ شبابه الأول يميل الى الشعر والكتابة، ويحلم بعمل عسكري كبير؛ فالخلق العسكري، والتخطيط العسكري، برزا معه منذ طفولته زعيما ً على أولاد الحي (كما يقول زوج شقيقته عجاج نويهض في مذكراته عنه).

وعندما وقعت الحرب العالمية سنة 1914، كان فؤاد سليم يعمل مديرا ً لمدرسة بسكنتا. وعندما أعلن الشريف حسين بن علي الثورة في 10 حزيران 1916، كانت أسرة فؤاد تقيم في بلدة "شحيم" (اقليم الخروب)، كما كان المرض قد وهن بوالده الطبيب، فحار فؤاد في كيفية اقناع والده بمغادرة البيت والانتماء الى الثورة، باعتباره كبير اخوته، ومعقد الآمال لأسرته.

كانت شقيقته أنيسة، وهي تقاربه عمرا ً، وتشاركه الروح النضالية الوثابة (وقد تزوجت فيما بعد من رفيق أخيها في النضال، وتوأم روحه، وأحد كبار المناضلين الأعلام في فلسطين تحت الانتداب، وهو صبحي الخضراء) تسهر مع فؤاد وهو يشكو لها همومه، وعدم رغبته في اغضاب والده، في الوقت الذي كانت تدرك فيه مشاعر

والدها الطبيب وخوفه من خسارة الابن الأكبر في أتون الحرب العالمية. غير أنها تمكنت أخيرا ً من اقناع والدها. أما والدتها، وهي التركية الأصل، وابنة علي غالب باشا من كبار موظفي الدولة الأتراك، فقد تفهمت دوافع ابنها الى الانضمام الى الثورة، وشاركته الرأي في ضرورة الانتفاض على الظلم.

والواقع، أن خوف الوالد على ولده، دفعه الى أن يقول له عند وداعه "ما أخالني أراك يا فؤاد بعد اليوم". لكن فؤاد سليم ودع عائلته متوجها ً الى شرق الأردن، حيث كان مقر الأمير فيصل. وقبل أن يخترق الصحراء السورية الى "القريات" ومنها الى "العقبة" و"معان"، حل ضيفا ً على أقربائه من آل سليم في قرية "المجيمر" في جبل الدروز (الذي سمي فيما بعد ب "جبل العرب") . وقد تعرضت القافلة التي رافقها من سوريا الى شرق الأردن لمجابهة عصابة من اللصوص الأشقياء، فاستولوا على كل ما كان لديه، حتى الساعة في معصمه. فلما وصل الى معسكر الأمير فيصل، وصل أغبر الثياب منهكا ً، فحار رجال الأمير في أمر هذا القادم المغبر، وحسبوه جاسوسا ً تركيا ً. لكن سرعان ما عرفه طبيب الأمير فيصل، وهو لبناني من أصدقاء والده فأزال الشكوك من حوله.

في هذا الاطار، كتب الأستاذ سليمان موسى في كتابه "صور من البطولة" (الذي صدر في عمان سنة 1968) يقول: "اشتبه الأمير فيصل بأمره في بادىء الأمر، وخشي أن يكون عينا ً للعدو، ولكن الدكتور ثابت الذي كان يعمل مع الثورة عرفه وكان صديقا ً لأبيه، فاطمأن فيصل وألحقه بعمل كتابي في قيادة الجيش. على أن فؤادا ً جاء الى القائد المسؤول بعد بضعة أيام ليقول له انه لا يطيق البقاء بعيدا ً عن المعارك، وأنه لم يأت من لبنان لكي يقنع بالبقاء في الخيام، عند ذلك حقق القائد أمنيته فألحقه بمفارز التدمير (تخريب الجسور) التي كانت منتشرة على طول سكة حديد الحجاز، وعهد اليه بتدمير الجسور ونزع القضبان الحديدية، وزرع الألغام لنسف القطارات العسكرية".

ويتابع الأستاذ سليمان موسى قائلا ً: "وأبلى فؤاد خلال عامي 1917-1918 بلاء ً عظيما ً في المعارك الشديدة التي خاضها جيش الثورة في ميدان شرقي الأردن، وذاعت وقائع مغامراته البطولية فرقي الى رتبة (رئيس) وتولى قيادة احدى مفارزالتدمير. وعندما تألفت الحكومة السورية المستقلة بدمشق بعد هزيمة الأتراك بقي فؤاد ضابطا ً في الجيش، ولكنه أبى الا أن يستمر في طليعة المجاهدين بعد أن ظهرت سياسة الفرنسيين الغادرة. واشترك فؤاد في المعركة الجديدة بمثل العزيمة والمضاء يوم اشترك في المعركة التي سبقتها ضد الأتراك، وساهم مساهمة فعالة في قيادة فصائل الأنصار ضد الغزاة الفرنسيين في منطقة البقاع.

وفي معركة ميسلون تنادى أحرار سوريا في وجه جيش الجنرال غورو، وكان فؤاد سليم في طليعة الضباط البواسل الذين صمدوا عندما حمي وطيس القتال، وقد ثبت ساعة التقهقر بعد أن قتل يوسف العظمة البطل الشهير. وعز عليه أن يترك الطريق مفتوحة في وجه الغزاة. وأخطأه رصاص العدو وكاد يؤخذ على حين غرة، فنجا بأعجوبة، وارتد عن ميدان القتال وهو يحدث نفسه بجولات أخرى في مناجزة المستعمرين". وعلى هذا الأثر، فقد كان أمرا ً طبيعيا ً أن يكون في أوائل من حكم عليهم الجنرال غورو بالاعدام. كيف لا، وكان فؤاد سليم قد اختير رئيسا ً لتجمع الضباط الأحرار في الجيش الفيصلي، عام 1917، وأحد القادة المؤسسين للحكم العربي في دمشق 1918-1920؟.

لم يجد فؤاد سليم ازاء هذه المستجدات، الا مغادرة دمشق الى عمان، حيث أصبحت "مكان تجمع" لأحرار سوريا (بعد دخول المستعمرين الفرنسيين دمشق)، حيث كان من بينهم صفوة من المناضلين العسكريين أمثال سعيد عمون، وحسيب ذبيان ، وصبحي العمري، وعمر لطفي ، وعمر فوزي، وجميل المدفعي. وفي شرق الأردن، تبرز مواهب فؤاد سليم العسكرية والتنظيمية. وهو يعتبر من كبار مؤسسي الجيش العربي الأردني. اذ عندما ألف الأمير عبد الله امارة شرقي الأردن (بالاتفاق مع الانكليز) عين فؤاد قائدا ً لكتيبة الفرسان،ثم تولى وظيفة رئيس أركان حرب في الجيش العربي، وهو المنصب الثاني في الجيش بعد القائد البريطاني "فريدريك بيك باشا" (وهو من ضباط الحرب العالمية الأولى)، الذي عين قائدا ً عاما ً للجيش العربي، وفي الوقت نفسه المفتش العام، بحجة أن الانكليز هم الذين يقومون بدفع نفقات الجيش.

نجح فؤاد سليم في مهامه العسكرية نجاحا ً كبيرا ً، وتمكن من قمع حركات التمرد والعصيان التي أثارها بعض الزعماء المحليين. وعندما كان يدرك تماما ً مخاطر السياسة البريطانية وأسلوب التفرقة والفتنة التي كانت ننتهجه بين القبائل والعشائر العربية، واثارة النعرات بينها بقصد اضعافها عن طريق تعميق العداوات بينها، فانه حاول بكل جهوده أن يتصدى لهذه السياسة ويخمد الفتن ويقرب المسافات بين العشائر والتخفيف من عداواتها. وقد لمس ذلك بالفعل من خلال حضهم للأمير عبد الله لتفضيل زعماء "بني صخر" على عشائر "العدوان"، خصوصا ً وأن بني صخر كانوا قد شاركوا الى جانبه في الثورة؛ ومن ناحية أخرى كان الانكليز يعملون من خلف الستار على استثارة كوامن المنافسة في عشائر "العدوان"، ويدخلون في أذهانهم أن الأمير عبد الله يؤثر غيرهم عليهم، قتزداد العداوة وتتعمق بين الفريقين، وهذا ما يسعى اليه البريطانيون بهدف التسلط واحكام قبضتهم على زمام الأمور. انها سياسة "فرق تسد "بأدق تفاصيلها ومراميها.

وفي سنة 1923 حدثت في البلقاء ثورة جديدة على الحكم القائم، بعد أن سبقتها ثورة الكورة وثورة الكرك، وقمعتا من قبل القوة العسكرية التي كان يقودها فؤاد سليم. ولما كانت أهداف ثورة البلقاء متضاربة، وشك في أمرها الوطنيون هناك، حيث اعتبرها الانكليز حركة محلية ومنعوا القوى العسكرية الوقوف في وجهها، اتضح للجميع عندها، خصوصا ً لفؤاد سليم ورفاقه من الضباط الاستقلاليين، أن الانكليز يريدون للبلاد خرابا ً، فقرروا اخماد الحركة، في الوقت الذي كان قائد الجيش - فريدريك بيك باشا - غائبا ً في لندن، فخرج فؤاد سليم بالجيش على مسؤوليته وقضى على الحركة، وشتت تجمعاتها وقبض على زعمائها. وكان ذلك بموافقة الأمير عبد الله. وعلى جناح السرعة، رجع "بيك" من اجازته (التي كانت مدبرة على ما يبدو لكي تقع ثورة عشائر العدوان في غيبته، ثم يتهم هو بتدبيرها). وفور وصوله، أرسل فؤاد الى مصر بحجة القيام بأعمال رسمية. وفي غيابه تمكن من اخراج الضباط الاستقلاليين من الجيش واجبارهم على مغادرة البلاد. فوجه بذلك ضربة موجعة الى "صديقه الشخصي" فؤاد سليم، الذي كان يراعي المصلحة الوطنية العليا ووحدة البلاد على أية مصلحة أخرى. وتوضح بعدها أن الانكليز صمموا على التخلص من فؤاد - رغم كل الاغراءات التي رفضها - كما تخلصوا قبلا ً من رشيد طليع واخهوانهما من الاستقلاليين. اذ أن الغدر والمكيدة هما من الصفات الملازمة للدم البريطاني الذي يغذي شرايين المستعمر المستبد. فكيف الحال بعدما تأكد "بيك" وأسياده أن فؤاد سليم "عربي مخلص لشعبه وعروبته" ومن المستحيل تدجينه، وقد أصبح وجوده في الأردن خطرا ً على السياسة البريطانية. عندئذ صدر القرار البريطاني باخراجه منها ونفيه الى مصر. وهكذا أضاف الى رصيده رصيدا ً جديدا ً لأنه: ربح عداء الانكليز بعدما كان قد ربح عداء الفرنسيين والأتراك. وفي المقابل، فقد ربحته مصر وصحافتها، حيث نشر في صحفها مقالات وكتابات كثيرة تمحورت بمعظمها حول قضية العرب وتطوراتها والكوارث التي حصلت بها، باعتبار أن في مصر، كان "قفير نحل" جمع رهطا ً كبيرا ً من العاملين في القضية، يسودهم سعد زغلول متعاونين في سبيل "العسل العربي وشهده"، المتمثل بقضية العرب وكرامتهم.

وأثناء وجوده في مصر، اندلعت الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش في صيف 1925، فصمم على الالتحاق بها مهما كانت الصعوبات، في الوقت الذي طلب منه السفر الى اليمن، من قبل الامام يحيى حميد الدين، لكي يتولى تنظيم جيش الامام ؛ لقد رأى ببصيرته النافذة أن واجبه الثوري في سوريا هو أهم وأكبر من واجبه في اليمن، مدركا ً أن حياته التي تحمل طابع الخلود، ستخطها دماؤه الطاهرة على سفوح شيخ جبالنا في الجولان، وهكذا كان. وبالفعل، استطاع فؤاد سليم أن يصل الى جبل الثورة ويلتقي قائدها سلطان، رغم أن الانكليز رفضوا منحه جواز سفر يسهل مروره من مصر الى سوريا، أو حتى الى فلسطين. لذلك اضطر الى

قطع صحراء سيناء على متن هجين، ثم قطع نهر الأردن سباحة.

ونظرا ً للسمعة الطيبة والخبرة الطويلة التي يمتلكها فؤاد سليم في الميدان العسكري، فان سلطان باشا الأطرش، يذكر في مذكراته التي نشرت في مجلة "بيروت المساء" في السبعينات، فضل فؤاد سليم وحسن معاونته العسكرية، خصوصا ً أنه مبتدع شعار "الدين لله والوطن للجميع" وجاهد تحت لوائه ، كما اتخذته الثورة شعارها المنشود.

أبلى فؤاد سليم بلاء ً حسناء في معارك الثورة السورية الكبرى، وأثبت جدارة وكفاءة قتالية وقيادية خولته تولي قيادة تنظيم الحركات العسكرية ضد الفرنسيين في منطقة اقليم البلان ووادي التيم، فنجح نجاحا ً منقطع النظير. وكان قد اشترك في معركة المسيفرة المشهورة مبديا ً شجاعة فائقة. اضافة الى ذلك، فقد كتب الأستاذ منير الريس في"الكتاب الذهبي" أن العقيد فؤاد سليم ومعاونيه من المدفعيين العرب الذين التحقوا بثورة الجبل، أصلحوا من عشرة مدافع ثلاثة، بأخذ قطع التبديل من مدفع مخرب لتحل محل قطعة مخربة في مدفع آخر، وبعد جهد أسابيع ركزوا المدافع الثلاثة التي أصلحت في حرج السويداء، وفي مكان لا تكتشفه الطائرات، وأخذوا يملأون الظروف الفارغة بكمية من البارود الذي جمعوه، ويجهزونها بالكبسول الذي وجدوا أيضا ً كمية منه في القرى، ويعيدون القذيفة الى ظرفها. وفي يوم مشرق أخذت مدفعية الثورة تصب قذائفها على قلعة السويداء، تعمل فيها تخريبا ً، وفي حاميتها تقتيلا ً. وقد عجزت الطائرات الفرنسية عن كشف مكان المدافع التي أحسن العقيد فؤاد سليم اخفاءها، وتبديل أماكنها. وقد فعلت في القلعة والعسكر الفرنسي،ولم يستطع الفرنسيون اسكاتها الا بعد أيام...".

كانت المعركة الأخيرة التي خاضها فؤاد سليم ضد الفرنسيين في مجدل شمس. وكان واضحا ً أن الفريقين يستعدان لهذه المعركة استعدادا ً كبيرا ً. فقد نظم فؤاد سليم قواته، وكان الفرنسيون من الجهة الأخرى على بعد بضعة كيلومترات من مكان وجوده، يرقبون مكانه بالنواظير، فلما أبصروه، عاجلوه بقصف مدفعي، فأصيب في خاصرته. وعلم من شدة الاصابة أن لا شفاء له منها. فخر صريعا ً شهيدا ً على أرض أرادها أن تبقى على الدوام بعيدة عن رجس المحتل وتدنيسه لها، فسقاها من دمه الطاهر لكي تزهر في كل موسم مناضلين ومقاتلين وشرفاء، يدافعون عنها ويحمونها كما تحمى العيون وتصان. انها قومية المعركة العربية في خنادق القتال... وفي اللحظة التي تبلغ فيها سلطان ياشا الأطرش نبأ استشهاد فؤاد سليم، صرخ بأعلى صوته قائلا ً: "واأسفاه!! بموت فؤاد ماتت الثورة وماتت آمالنا وأمانينا فيها". مع العلم، أن سلطان باشا الأطرش كان لا يسلم الختم الخاص بالقيادة العامة للثورة السورية الكبرى، الا لفؤاد سليم فقط، الذي كان يكلف بكتابة بعض بيانات الثورة. وقد وجد هذا الختم في جيبه يوم استشهاده. لقد كان استشهاده في الثالث من كانون الأول 1925، على تلك التلة التي سميت ب"تلة فؤاد"، وأقيم له ضريح في تلك الناحية. وقد أقام هذا الضريح أحد الأشخاص الذي ينتمي الى الأكراد في الشام، اسمه "عمر آغا شمدين". وما زال هذا الضريح قائما ً هناك، ولم تستطع كل العواصف السياسة ولا الزلازل العسكرية أن تمحي أثره، لأن صاحبه أكبر من كل الزلازل والعواصف، وتأثيره في مماته ليس بأقل منه في حياته، بدليل لأن المنتفضين من أهلنا في مجدل شمس خاصة، والجولان عامة، ضد الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من ربع قرن، يتسلح كل منهم (رجلا ًكان أم امرأة) ب "فؤاد" هو ذاته "فؤاد الفؤاد"، المؤمن بأم الحق لا يموت اذا كان وراءه مطالب،مهما بعدت المسافات، ومهما طالت السنين، ذلك لأن الاحتلال له وجه واحد ومفهوم واحد، تماما ً كما الحرية، لا يمكن أن تكون بعدة وجوه وعدة مفاهيم.

والحقيقة، أن قائدا ً كفؤاد سليم، جدير بالتكريم والوفاء في كل يوم، والأجدر من ذلك، أن نلقن أطفالنا حب هذا الفؤاد وأمثاله، لكي لا نصل الى يوم بلا "فؤاد"، وبلا "مبادىء"، وبلا "تاريخ"، وبلا "كرامة وبلا "مستقبل"...

لذلك لم يكن من الغرابة أن نجد الأدباء والشعراء والمجاهدين يتسابقون في كلمات الثناء على فؤاد سليم. فنرى الأمير شكيب أرسلان، يكتب مثلا ً كلمة بعنوان "فؤاد كليم، على فؤاد سليم" يقول فيها: "لا بد أن تستقل سوريا برغم بعض أعداء العرب... من أهلها، ولا بد أن يخرج منها الأجنبي كما خرجت أسلافه من ثمانمائة سنة غير مستفيد شيئا ً ، غير الضرر والقتل الدمار وسوء الأحدوثة والعار... وسيكون لمحرري سوريا يومئذ تاريخ يقترن بتاريخ نهضة الأمة العربية، وتسجل أسماء الأبطال الذين بدمائهم اشتروا حياة العرب... ولا يوجد في هذه الأسماء اسم يستحق التقديم على اسم فقيدنا، فقيد الثورة السورية، بل فقيد الأمة العربية المرحوم فؤاد بك سليم، الذي جمع بين السيف والقلم جمعا ً قل نظيره"...

أما الشاعر المرحوم خير الدين الزركلي (صاحب "معجم الأعلام") فقد نشر في القاهرة قصيدة سنة 1926، بعنوان "الشهداء"، قال فيها عن فؤاد سليم ما يلي:

أمضى على لقيا المنية عزمه ومضى فلم ينقض له ابرام

ما أنقض في كبد الجموع مرويا ً صمصامه حتى انتشى الصمصام

بهر العداة حياله فتفرقوا عنه، ولمهم النفير فحاموا

لم يقتلوه ولم تمزق صدره حمم اللظى لو لم يرم ما راموا

آلى فؤاد أن يموت مكافحا ً بين الصفوف، وبرت الأقسام

وكذلك الشاعر عبد الكريم شمس الدين الذي قال فيه قصيدة بعنوان "ثائر عربي"، جاء فيها:

هجر القصور وقد رأى فيها على الأيام قيدا ً للشجاعة محكما
ومضى الى الصحراء يبغي دونها حقا ً لأمته الحبيبة معدما

قاد الصفوف الى الجهاد وانه أهل لكل قيادة أن يحكما

سل عنه دنيا الشرق عن أعماله سل عنه آفاق العروبة والسما

اعصار حق لا يلين وثورة تأبى بمهد الأنبياء مظالما

وبميسلون من دماه شواهد تحكي مدى الأيام عنه مكارما
وعلى سفوح الشيخ، شيخ جبالنا أبقى على التاريخ منه معالما

ولعل خير ما نختم به الحديث، هو بعض الكلمات، من مقالة كتبها فؤاد سليم بعنوان "احدى مصائب الانتداب"، حيث قال:" ...ان فرنسا تسعى قبل كل سعي، و جهد فوق كل جهد، الى تفكيك وحدة البلاد و شل نهضتها الوطنية وقتل شخصيتها القومية. وهي في الوقت نفسه تسمح بادخال كل عوامل الفساد التي تشكو منها المجتمعات الغربية، وتفتح الباب على مصراعيه ليؤم البلاد من كل ما هب ودب من شذاذ الآفاق و"قناصات الظلام"".

وفي مقالة أخرى قال فيها:" ان انهزام الغطرسة والظلم أمام الحق والايمان بالحق أمر يشاهده الناس كثيرا ً في التاريخ، ولكن مثل هذا لم يحصل عندنا نحن بعد أن أتحفتنا هذه الحرب العالمية بالسادة المنتدبين؟؟".

فلو لم يكن فؤاد سليم قال هذا الكلام منذ أكثر من سبعين عاما ً، لما كنا اعتقدنا بأن هذا الكلام يقال اليوم في أواخر القرن العشرين، على لسان أحد الزعماء المعادين للاستعمار والصهيونية؟.. الجواب: نعم بكل تأكيد... ورحم الله كل فؤاد من طراز فؤاد سليم، ومن معدنه...

المراجع

1-
مذكرات عجاج نويهض "ستون عاما ً مع القافلة العربية". اعداد بيان نويهض الحوت. دار الاستقلال. بيروت. الطبعة الأولى 1993. ص 52-61.

2-
نجيب البعيني "رجال من بلادي" الجزء الثاني. مؤسسة دار الريحاني. بيروت. الطبعة الأولى 1986. ص 177-191.
3-
سليمان موسى "صور من تاريخ البطولة". عمان / الأردن 1978.
4-
منير الريس "الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي / الثورة السورية الكبرى". دار الطليعة. بيروت. الطبعة الأولى 1969. ص 226-227.
5-
سعيد الصغير "بنو معروف في التاريخ". مطابع زين الدين. القرية / لبنان. 1984. ص 540.
6-
محمد خليل الباشا "معجم أعلام الدروز". الجزء الثاني. الدار التقدمية. المختارة / لبنان. الطبعة الأولى 1990. ص41-43.

قصيدة "لسان أمه" للشاعر المجاهد فؤاد سليم

اني لأذكر قصة عن مجرم فاضت لدى تذكارها عبراتي
فعسى يرى الآباء فيها عبرة وتكون للأبناء خير عظات
حكم القضاة على فتى ً بالموت اذ قتل امرؤا ً ليفوز باللذات
فأتوا به عند الصباح مكبلا ً ما بين فرسان وبين مشاة
سألوه قبل الموت ماذا تشتهي فأجاب هيا عجلوا بمماتي
لكنه بين الجموع رأى له أما تنوح بأسوأ الحالات
فبكى وقال دعوا الحزينة لحظة كيما أقبلها قبيل وفاتي
فدنوا بها منه فقال تشجعي يا أمي هذي آخر اللحظات
مدي لسانك كي أقبله فما أربي للقبلات في الوجنات
مدت له منها اللسان ولم تكن تدري بما للابن من نيات
فدنا يقبلها ولكن صرخة ً منها دوت للناس في دهشات
فاذا به قطع اللسان وقال ذي الكلمات
لو لم يكن هذا اللسان مشجعا ً لي في الجرائم ما فقدت حياتي
هذا انتقامي منك يا أمي وهذه ثاراتي
اهمال تربية البنين جناية عادت على الآباء بالولايات

جاء . بيسان للنشر والتوزيع.في مقدمة كتاب بعنوان الفارس العربي شكيب وهاب ..لمؤلفه حسن سعد

 

من الناس من يمرون في هذه الحياة على رؤوس أصابعهم، لا يحدثون جلبة أو ضوضاء، وكأنهم في رحلة من شروطها الهدوء والإنضباط والتقيد بالبرنامج المقرر، هؤلاء لا يفكرون أبداً بتغييرٍ في البرنامج أو تعديل في خط سير الرحلة، لأن للتغيير والتعديل في نظرهم شروطاً وأحكاماً لا يقدر على التصدي لها سوى اثنين وهما: القدر والزمن.
لذلك، فإنهم يسلّمون من أمرهم للأمر الواقع الذي يقول: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون، ومن الناس فئة تقف على الضفة الأخرى من"شكيب وهاب شجاع لإيه هؤلاء، إنها فئة الرواد المبادرين المتصدين للباطل، وغير الساكتين عن الحق، والذين خلقوا ليكونوا على جدارة في الصفوف الأمامية، متسلحين بالشرف والنبل والصدق والتضحية حتى بالحياة في سبيل حق يدافعون عنه، أو مبدأ يؤمنون به، أو قضية عادلة يعملون من أجلها... فتراهم شعلة نشاط وإقدام، وتسمع ضجيجهم حتى ولو كانوا صامتين... هؤلاء تلتفت إليهم الأنظار والقلوب والعقول، ويصبحون مثالاً يحتذى به ويسير على نهجه الكثيرون، وتترسخ أسماؤهم في ذاكرة الأجيال، من هؤلاء شكيب وهاب الفارس العربي الذي قال عنه المجاهد سلطان باشا الأطرش اب الردى، رابط الجأش، عملاق يقتحم المخاطر، انتزع عن جدارة إحترام الثوار، وطبقت سمعته الآفاق، حتى رهبه الأعداء وحسبوا له ألف حساب" قال ذلك سلطان باشا الأطرش في صديقه ورفيق جهاده، الذي جمعته معه مسيرة نضال طويل، وحكايات صمود وأباء...

معركة راشيا الأولى (تشرين الثاني سنة1925) :

بعد السّيطرة الكاملة على جديدة مرجعيون واستتباب الأمن فيها. قرّر الثّوّار السّيطرة على راشيا [1] وساروا باتّجاهها ورأوا بأمّ أعينهم فرار سكّانها من الأطفال والنّساء والشّيوخ يحملون على الدّواب أمتعتهم وبعض ما توفّر من الطّعام وذلك هرباً من بطش الفرنسيّين وأعوانهم. وفي صبيحة العشرين من تشرين الثّاني عام 1925 اقتربت الحملة من راشيّا وانقسمت إلى قسمين

القسم الأوّل بقيادة المجاهدين: أسعد كنج أبو صالح، أسد الأطرش، شكيب وهاب. هذه المجموعة تدخل مع قوّاتها إلى البلدة.

القسم الثّاني بقيادة المجاهدين: زيد الأطرش وفؤاد سليم وصيّاح الأطرش وعلي عامر. تتمركز في الهضاب المجاورة لراشيّا لمراقبة سير المعركة واتّخاذ التّدابير اللازمة لقطع المدد عن القوّات الفرنسيّة أثناء محاصرة القلعة

(مذكرات سلطان باشا الأطرش).

اشتبك الثّوّار مع بعض القوى التي كانت خارج القلعة، وانتصرت عليها و تحصّنت القوّات الفرنسيّة وأعوانهم داخل القلعة الحصينة, حيث وضعت أكياس الرّمل في نوافذ القلعة وكان الفرنسيّون قد نسفوا البيوت المحيطة بالقلعة بالدّيناميت وأحاطوها بالأسلاك الشّائكة لمنع وصول الثّوّار إليها. تدارس قادة الحملة التي دخلت راشيّا الآراء المختلفة لوضع خطّة الهجوم على القلعة من أجل الاستيلاء عليها، والجدير بالذّكر أنّ الاستيلاء على هذه القلعة ودحر الفرنسيّين منها، سيفتح الطّريق أمام الثّوّار للدّخول إلى سهل البقاع وقطع طريق دمشق بيروت ممّا سيسهّل:

 أولاً- الاتصال بثوّار بعلبك والهرمل، ويفتح الطّريق لمنع النّجدات عن القوّات الفرنسيّة في دمشق وصولاً إلى تحريرها من أيدي المستعمرين .

ثانياً-  قرّرت قيادة الحملة في اجتماع للقادة في الميدان، إحداث فتحات في جدران البيوت ليلاً، للوصول منها إلى القلعة، واستعان الثّوّار من أجل إنجاز هذه المهمّة، بأمهر البنّائين وانقسم الثّوّار إلى ثلاث مجموعات برئاسة القادة[2]

·      مجموعة تقطع الأسلاك الشّائكة، وتتسلّق السّلالم الخشبيّة التي أحضروها من القرية، وشدّوها إلى بعضها للوصول إلى برج القلعة.

·      مجموعه ترابط وراء المتاريس خلف جدران البيوت لتحمي ظهور المهاجمين.

·       مجموعة تهاجم أبواب القلعة من أجل تحطيمها.

وبدأت المعركة بين الطّرفين وأظهر المجاهدون شجاعة نادرة أعادوا فيها مجد الأسلاف حيث بدأ الثّوّار يتسابقون على صعود السّلم وكان في مقدمتهم ثوّار إقليم البلاّن الأشاوس الذين صعدوا السّلم رغم وابل الرّصاص الذي انهمر عليهم من متاريس الفرنسيّين وعرف من الذين صعدوا على برج راشيّا المجاهدون التّالية أسماؤهم: سليمان مرعي، حسن إسماعيل شمس، علي أحمد القضماني، محمد أسعد أبو صالح، قاسم العفلق، نجيب الكحلوني، محمد قاسم محمود، قاسم السيد أحمد، وعندما وصل المجاهد سليمان مرعي إلى البرج قام (بتبليل) كوفيته بالبترول وأشعلها ورماها على السّطح الخشبي الذي اشتعلت به النّيران فأضطرّ الفرنسيّون إلى الهبوط للطوابق السّفلية للقلعة. وفي تلك الأثناء كان قسم آخر من الثّوّار بقيادة المجاهدين أسعد كنج أبو صالح و شكيب وهّاب وحمزة درويش يهاجمون باب القلعة الشّرقي حيث قام الثّوّار بتقطيع الأسلاك الشّائكة وتحطيم الباب بالبلطات، وبرز من الذين هاجموا أبواب القلعة من الإقليم: محمد كنج أبو صالح، حسين رضا، أحمد رضا، سلمان ملحم الشّوفي، أحمد بنّوت المرعي، أسعد شرّوف ومحمد سعيد أبو صالح. فحطّموا الباب، وأحدثوا فتحات في الجدران، ودخل الثّوّار فاحتلّوا ساحتها الدّاخليّة وبدأوا بمطاردة الفرنسيّين داخل القلعة. وفي هذه  الأثناء ألقت الطّائرات الفرنسيّة نسخاً من رسالة تطمئن فيها الحامية الفرنسيّة بقرب الفرج، ووصول النّجدات لتطويق ثوّار راشيّا، ويهنّئ  قائد الحامية الفرنسيّة بصموده أمام الثّوّار. وبالفعل وصلت النّجدات الفرنسيّة واشتبكت مع قوّات الثّوّار التي بقيت خارج راشيّا {*مم 1996}[3]  وانسحب على إثرها الثّوّار من القلعة. بدأت قوّات الثّوّار تخرج من راشيّا فانسحبت مجموعة نزيه العظم والتحق قسم من الثّوّار بالقوّة المرابطة خارج البلدة، ولم يبق في راشيّا، حسب مذكّرات سعيد العاص، إلاّ مجاهدو الإقليم بقيادة المجاهد أسعد كنج أبو صالح  اضطرّوا للانطلاق باتّجاه قريتهم مجدل شمس ليدافعوا عنها أمام الزّحف الفرنسيّ الذي بدأ من القنيطرة باتّجاه القرية.

 



[1]  (بنومعروف في التاريخ )  وقد أقدم الفرنسيون في راشيا على أعما ل إجرامية من تقتيل وتخريب ونهب أرزاق وتدمير بيوت وقتل أبريا .فأعدموا قاضي المذهب الشيخ نعمان زالي مع أولاده لأنه آوى جرحى الثوار في منزله كما أجهزوا على هؤلاء الجرحى جميعهم . من راشيا

 

[2] وثيقة رقم *ه ر*(171225-2)  هاجم جيش المجاهدين المرابط في جبل بركة (ران) بقيادة الأبطال زيد الاطرش وصياح الاطرش وفؤاد سليم جيش العدو المتحصن في المتاريس جنوب (ران ) فأخرجوه من الحصون وهزموه مسافة خمس ساعات إلى قرية (الزعورة )  فقتلوا منهم مقدار ثلاثمائة من شراكة ورجال عصابة بطرس بك كرم وأسروا سيارة كان فيها أربعة ضباط فرنسيين برتبة (يوتنان ) كانوا قادمين من القنيطرة وسيتابع المجاهدين تقدمهم الى راشيّا لاحتلال المواقع التي سبق إخلاؤها عند هددت خطوط المواصلات برهة من الزمن

[3] {*مم 1996}المرجع..مذكرات المجاهد متعب الجباعي المسموعة : الشّهيد البطل شحاذي فرحان الجباعي : بعض التّفاصيل ومنها فيما يخصّ الدخول إلى قلعة راشيّا  ...كانت مجموعة من مجاهدي  قرية الشبكي (معقل الثّوّار ) والمجيمر بحدود العشرة أشخاص مع الحملة التي كان يقودها المجاهد زيد الأطرش وكان قائدهم المباشر المجاهد البطل محمود كيوان والمجاهد البطل خطّار أبو هرموش في هذه المعركة المجيدة والخالدة (معركة راشيا ) التي سطّرت أحداثها الكثير من الصّحف العربية والعالميّة وخاصّة الإعلام الفرنسيّ.تمّ تطويق القلعة، فتح ثغرات في الجدران لكي تصل المدفعيّة ونيران القنابل الحارقة إلي الجنود الفرنسيّين المحاصرين في القلعة ، رفع السّلالم على أسوار القلعة ، الهجوم وملاحقة الإفرنسيّين داخل القلعة من مهجع إلى مهجع ، استعمال جميع أنواع السّلاح وخاصّة السّلاح الأبيض ,هذا يؤكّد المعلومة التي وصلتنا من أحفاد الشّهيد المجاهد البطل من قرية المجيمر (شحاذي فرحان الجباعي ) رحمه الله واسكنه فسيح جنانه وقصّته هو بطل من أبطال هذه الثّورة المجيدة ضدّ المستعمر الفرنسيّ بقيادة المغفور له وشيخ المجاهدين القائد سلطان باشا الأطرش حيث تمّ تكليفه مع مجموعة أخرى من المجاهدين في التسلّل إلى القلعة من الجهة التي لا ترصدها أعين الفرنسيّين المحاصرين داخل القلعة وكان ذلك في وضح النّهار ودخلوا على حرّاس الخيول وفتحوا إسطبلات الخيل فخرجت كلّ الخيول واستلمها رفاقه الثّوّار خارج القلعة وعندما انتبه الحراس له أطلقوا عليه النار ليرتقي شهيداً رحمه الله واسكنه فسيح حنانه

... {*مم 1996}1المرجع (1) المرجع..مذكرات المجاهد متعب الجباعي المسموعة :..ومدوّنة منتدى الجبل ..مجاهدين  .من قرية الشبكي بمشاركة  المجاهد شبلي أبو عمار والمجاهد حسن أبو عمار(1-2-3مممك1996) ولد المجاهد أبو حسين شبلي أبو عمار في قرية الشبكي عام 1882م وسط أسرة وطنيّة دينيّة شاعريّة إذ كان جدّه حسن محمود أبو عمار من أوائل الذين قرضوا الشعر الشعبي في منتصف القرن التاسع عشر وقد ورد في محاضرة للدّكتور فايز عز الدين عن الشّيخ الجليل ( إبراهيم الهجري والشّيخ أبو علي القسّام الحنّاوي وشبلي الأطرش وأسعد نصار وحسن محمود أبو عمار حيث تداولوا جميعاً في أشعارهم بطولات بني معروف ومن يواطنهم في جبل الريان.
كان المجاهد شبلي أبو عمار وشقيقه المجاهد حسن أبو عمار من المجاهدين ورجال الدّين وقد استضاف في مضافته بعض قادة الثّورة السّورية الكبرى عام 1925- 1927م ومنهم: نسيب البكري – شكري القوتلي والقواص والأشمر وأرسلان وعزّ الين والأطرش وحسين مرشد ورشيد طليع وآخرين.
-2-...سجن المجاهد شبلي في قلعة دمشق لمدة عامّ إبّان الحكم التّركي مع المجاهد كنج نفّاع ثم أفرج عنه ليلقى القبض عليه ثانية مع ابن عمّه المجاهد داوود أبو عمّار والمجاهد بهاء الدّين الجباعي(3)مم196)لكنّه تمكّن من الفرار ليلاً وعاد على قريته .
وشارك المجاهد في معارك الثّورة العربيّة ( تلول المانع – الكسوة ) وكان من جملة الثّوّار الذين دخلوا دمشق.
وأتمّ مجاهدنا البطل كفاحه بمشاركته في معارك الثّورة السّورية الكبرى وصولاً إلى معارك جبل الشّيخ وإقليم البلاّن وراشيّا وحاصبيّا وجديدة مرج عيون وإبل السّقي وعنجر وكوكبة.وأصيب شقيقه حسن عمار أبو عمار إصابة بالغة في معركة قلعة راشيّا ...........

-(3مم1996)-قصّة المجاهد بهاء الدين الجباعي(3)مم196) مع أخضر الوجه مصطفى الأطرش سنأتي على تفاصيلها في الجزء الاول بعد حملة حملة  ممدوح باشا عام وفرض التجنيد على ابناء الجبل ما هذا؟

 

 

حفيدة قائد الثورة السورية الكبرى تردّ على محمود محارب: سلطان الأطرش رفض دويلة الدروز وآمن بسوريا والعروبة وفلسطين

«العلاقات السرّية بين الوكالة اليهودية وقيادات سوريّة في أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى» هو عنوان كتاب للدكتور محمود محارب، صادر حديثاً في بيروت، عن «دار جسور للترجمة والنشر» (2021). وفي فصله الخامس، يجد القارئ اهتمام الكاتب المبالَغ به بذكر اسم سلطان الأطرش، بداعٍ ومن دون داعٍ، حتى نشعر بأنّ سلطان الأطرش هو الشخص الأساس والوحيد المسؤول عمّا طرحه الكاتب في هذا الفصل، علماً أننا لا نجد فيه أي وثيقة مكتوبة بخط سلطان أو بتوقيعه... وأنا أعرف خطّه وتوقيعه تمام المعرفة لأني عملتُ، خلال عشرين عاماً، على تحقيق أرشيف سلطان باشا الأطرش، القائد العام للثورة السورية الكبرى، وأنا أبحث اليوم عن التمويل لنشره، وهو خمسة أجزاء بأكثر من ألفَيْ صفحة.

 

بادئ ذي بدء، أودّ تصحيح بعض الأخطاء الواردة في الصفحة 180 من الكتاب: فولادة سلطان الأطرش هي في عام 1888 وليست في عام 1891؛ وحين لجأ مع عدد من الثوّار في صيف عام 1927 أولاً إلى الأزرق ثم إلى صحراء وادي السرحان في مملكة نجد والحجاز، بعد أن قام الانتداب البريطاني بتضييق الخناق على الثوّار في الأزرق، قضى في صحراء وادي السرحان خمس سنوات مع رفاقه وعائلاتهم. أما دخوله ورفاقه إلى شرقي الأردن، فكان في عام 1932، وقد تمّ وضعه، هو فقط، قيد الإقامة الجبرية في الكرك التي لم يكن يستطيع تركها مطلقاً، بينما كان رفاقه وأهل بيته وأشقاؤه يستطيعون السفر أينما شاؤوا في الأردن، وبعضهم إلى خارج الأردن أيضاً. وهذا الأمر له دلالة! أما في الهامش الرقم 11 من الصفحة 180، فالمسؤول عن إعداد كتاب (أحداث الثورة السورية كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش) هو ابنه، منصور، لا غيره، كما هو واضح في التمهيد!

إن إصرار المؤلف على أنّ جميع مَنْ ذكرهم، ممن نسجوا علاقات ذات مصالح شخصية بحتة مع الوكالة اليهودية، هم مقرّبون من سلطان الأطرش ولا يقومون بأمر إلا بمعرفته وموافقته، أمر مبالَغ به جداً! فحتى اليوم، نجد أنّ الغالبية العظمى من أهل جبل العرب في سوريا يزعمون أنهم «مقرّبون» من سلطان، لا بل هم أحفاده! وهذا أمر يعود إلى الطبيعة العشائرية الحاكمة في جبل العرب! فكيف بمَنْ يرغب في إثبات صدقيّته من أجل تحقيق مصالح شخصية ضيقة، لا من أجل الصالح العام كما كان دائماً هدف سلطان الأطرش؟

بعد عودة سلطان الأطرش إلى سوريا، جاءه المهنّئون من بلاد الشام كلها، وبينهم آبا حوشي (1938) بصفته رئيس نقابة العمّال في حيفا

أما إيراد أمور شديدة الأهمية على لسان سلطان الأطرش، من دون أن تؤيّدها وثيقة واحدة مكتوبة بخط يده ومختومة بخاتمه الذي هو في حوزتي اليوم، فلا أعتقد أنه عمل بحثي أكاديمي موثوق. على سبيل المثال، ما ورد في الصفحتين 184 و185 من الكتاب، وهو أنّ سلطان طلب من الشيخ وحش ابن الشيخ محمد الحسين أن يتوجّه إلى قادة الحركة الصهيونية وأن يطلب منهم التدخّل لدى فرنسا من أجل السماح له بالعودة إلى سورية» في خريف عام 1932. هذا افتراء واضح على سلطان الأطرش للأسباب التالية:

1-
كانت ظروف الحياة في الخيام في صحراء وادي السرحان أصعب بما لا يُقاس، مقارنةً بالحياة في الكرك: (يتبيّن للقارئ شظف العيش في تلك الصحراء من خلال السيرة الذاتية لمنصور سلطان الأطرش، في كتابه: الجيل المُدان، بيروت، «دار رياض الريس»، 2008، في الصفحات، من 19 حتى 34)، حيث كان يستأجر منزلاً في الكرك، وأنا زرتُه وصوّرتُه في أيلول من عام 1982، ونشرتُ الصورة في الصفحة 256 من روايتي الذاتية (إلى آخر الزمان، دمشق، دار تساؤلات، 2014)، لكنه، مع ذلك، لم يطلب هذا من أحد، وليس من شيمه الحصول على الخلاص الفردي!
2 -
الوطنيون السوريون فقط هم الذين كانوا يعملون على وضع مسألة العفو عن جميع الثوّار والسياسيين ضمن المفاوضات بينهم وبين فرنسا. (أرشيف سلطان الأطرش، السعي من الوطنيين السوريين لدى المندوب السامي في دمشق، لطلب العفو عن جميع أبناء سوريا، الوثيقة رقم 593، العام 1931).

3 -
رفض سلطان الأطرش في عشرينيات القرن العشرين، بعد ضعف الثورة عسكرياً واستمرار المقاومة، عرضاً من الملك جورج الخامس قدّمه له المعتمد البريطاني، لدى اجتماعه به في الأزرق، مخاطباً سلطان الأطرش: «إنّ حكومة صاحب الجلالة البريطاني تتكفّل بتقديم قصر خاص بإقامتكم في مدينة القدس، وراتب كبير يضمن لكم العيش الهنيء والسعادة مدى الحياة»، وذلك في محاولته لإقناع سلطان «بضرورة إنهاء الثورة والتسليم للأمر الواقع من دون قيد أو شرط»! فأجابه سلطان الأطرش بما يلي: «إنّ سعادتنا باستقلال بلادنا وحرية شعبنا. ولو كان العيش في القصور غايتنا، لكنّا بقينا في دورنا الرحبة، واستجبنا لدعوة الفرنسيين المتكرّرة بالاستسلام. إنّ طلبكم هذا فيه مساس بكرامتنا، فلا نرضى إطلاقاً أن تكون المفاوضة معكم، أو مع حلفائكم الفرنسيين، إلا على أساس صلح مشرّف تتحقّق به المبادئ التي قامت ثورتنا عليها ومن أجلها، وتتلخّص بحرّية الشعب واستقلال البلاد ووحدتها، وجلاء القوّات الأجنبية عنها» (أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش، راجعها وصحّحها ومهّد لها منصور سلطان الأطرش، دمشق، دار طلاس، ط2، 2008، الصفحتان 305 و306). وكان المعتمد البريطاني حينها قد أحضر معه لمقابلة سلطان الأطرش وبعض من رفاقه في الأزرق ما لذّ وطاب من الطعام والشراب. وكان الثوّار محرومين من الماء والطعام، إلا القليل الذي يتيسّر لهم، وذلك بسبب حصار البريطانيين لمصادر المياه في الأزرق، فمن يحاول جلب الماء من الثوار، كان البريطانيون يطلقون عليه النار. وبنظرة من سلطان إلى رفاقه، فهموا منها أنّ هذا الطعام محرّم عليهم جميعاً. وحين نهض المعتمد البريطاني للذهاب، قال له سلطان الأطرش: «خذ كلّ ما أتيت به من طعام وشراب، فلا حاجة لنا به». وهكذا كان.

وقد وثّقتُ مع صديقتي أليسار خوري في مكتبة الأسد الوطنية، في عام 1986، أرشيف وزارتَي الخارجية الفرنسية والبريطانية، وكان من بينها رسالة من قنصل بريطانيا في المشرق إلى وزارة الخارجية البريطانية يؤكّد فيها على رفض تعاون سلطان الأطرش مع البريطانيين رغم السعي البريطاني الحثيث لتقديم الدعم المادي له، واستمرار رفضه له: «سلطان الأطرش لا يمكن شراؤه»! هذه الوثائق هي ضمن أرشيف المكتبة الوطنية في دمشق (١) أما ما ورد في الصفحة 186: «وكان العيسمي من أهم مساعدي سلطان الأطرش ومستشاره الخاص للشؤون الخارجية»، فهذا غير صحيح مطلقاً في ثلاثينيات القرن العشرين، فمنذ عام 1930، بدأ اللغط يدور حول دور العيسمي كممثّل لسلطان الأطرش في مصر (أرشيف سلطان الأطرش، الوثيقة رقم 459، العام 1930)، وذلك لأسباب عديدة لا مجال لشرحها الآن. ومنذ عام 1931، أصبح المعتمد الأساس لسلطان الأطرش في عمّان هو السيد حمدي منكو (أرشيف سلطان الأطرش، الوثائق 587، 592، 595، 599، 604). بعد انتهاء الثورة، لا أحد مطلقاً يمثّل سلطان الأطرش، لا السيد العيسمي ولا السيد القطامي (الصفحة 193) ولا غيرهما! فالمرء، في أحايين كثيرة، يختلق أقاويل على لسان شخصية موثوقة لدى الناس، بغية إثبات مصداقية سعيه، إرضاءً لمن يعمل لمصلحتهم، لكنّ غايته في ذلك هي تحقيق مصالحه الشخصية الضيقة!

في الصفحة 187، ورد على لسان العيسمي «أنّ سلطان الأطرش يسعى بعد أن يعود إلى جبل الدروز ليحصل جبل الدروز على حكم ذاتي كامل». وهذا أيضاً كلام لا يمتّ بصلة إلى تاريخ سلطان الأطرش النضالي ولا تثبته أي وثيقة بخط يده! إنه محض افتراء! ففي بيانه «إلى السلاح» في آب/ أغسطس 1925، حدّد سلطان الأطرش هدف الثورة السورية الأول بـ «توحيد سوريا ساحلاً وداخلاً؛ والهدف الثاني هو الاستقلال»، وقد رفض دويلة جبل الدروز التي أقامها الفرنسيون، رغم كل الإغراءات الفرنسية له. (أرشيف سلطان الأطرش، الوثائق والبيانات التي تؤكّد على وحدة سوريا وعلى وحدة جبل العرب مع الوطن الأمّ سوريا ورفض انفصاله عنها، من سلطان الأطرش وبخط يده، الوثيقة ٣١٨ للعام ١٩٢٨؛ الوثيقتان: 584 و601 للعام 1931؛ الوثيقتان 715 و725 للعام 1936؛ الوثيقة 739 للعام 1937).

إنّ الأحداث التي وقعت خلال الثورة الفلسطينية الكبرى قد دحضت ادّعاء العيسمي وغيره، إذ ورد في الصفحة 188 ما يلي: «انخراط عرب دروز في الثورة الفلسطينية من سورية ولبنان...»؛ «الدروز في جبل الدروز خصوصاً، يشاركون بنسبة كبيرة في الثورة في فلسطين»... وهذا دليل على عدم صدق ادّعاءات العيسمي في مسألة ضغط القادة في جبل العرب على أهالي الجبل من أجل عدم مشاركتهم في الثورة الفلسطينية الكبرى!
في الصفحة 208، ادّعى العيسمي أنّ الأشقاء سلطان وزيد وعلي الأطرش «أعربوا عن رغبتهم في دعوة آبا حوشي» لزيارة جبل العرب، وهذا قد تمّ دحضه بالفعل في الصفحة 204، حيث قام إلياهو ساسون، وهو دمشقي، بدحض أفكار حاييم كوهين، فقال: «ليس صحيحاً ما ادّعاه كوهين عن أنّ الدروز هم الذين بادروا، بعد عودة سلطان الأطرش إلى جبل الدروز، لإقامة علاقات مع الوكالة اليهودية...».

ثم إنّ بعد عودة سلطان الأطرش في أيار 1937 إلى سوريا، جاء إليه لتهنئته بالعودة إلى الوطن عشرات الآلاف من بلاد الشام كلها، وهو لم يدعُ أحداً لتهنئته بالعودة! بل استقبل الجميع على اختلاف مشاربهم، ومن ضمنهم آبا حوشي الذي يتحدث العربية، كما ورد في الهامش 97 في الصفحة 226، وقد تمّ استقباله سنة 1938 بصفته رئيس نقابة العمّال في حيفا فقط.

ما لفت نظري في هذا الكتاب، وربما سيلفت نظر أيّ قارئ دقيق الملاحظة، هو أنه حين يكون الحديث عن بعض إساءات الثوار في فلسطين تجاه أشقائهم في الوطن من بني معروف، كان محمود محارب يوحي للقارئ بأنّ تلك الإساءات لم تقع وبأنها تُهَم ملفّقة! لكن، حين يكون الحديث نقلاً عن فلان وعلّان، عن لسان سلطان الأطرش، وبما يتوافق مع نهج الصهاينة في تهشيم الرموز الوطنية في وطننا العربي، فإنّ محمود محارب يوحي للقارئ بأنّ الحديث مؤكّد!

في الصفحة 231 أكّد العيسمي على التوافق مع سلطان الأطرش بشأن نقل دروز فلسطين إلى جبل العرب في سوريا! لكنّ الوثيقة المكتوبة بخط يد أسد سليم الأطرش، من المجيمر، وقد كان مديراً ويعمل في ميناء حيفا، وهو الذي رافق الوفد الفلسطيني الذي زار سلطان الأطرش، تؤكّد على أنّ سلطان الأطرش، مخاطباً وفداً زاره من مشايخ بني معروف من فلسطين، في القريّا، في 15 حزيران/ يونيو 1948، نهى الدروز عن ترك قراهم في فلسطين، ودعاهم للصمود في أرضهم، مؤكّداً لهم على أنه «إذا ما نزحتم إلينا فلن نقبلكم أبداً»!

كما أكّد سلطان الأطرش في كتاب «أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش»، وفي الصفحة 369، على أنّ علاقته بالقضية الفلسطينية قديمة، «فعندما قامت الثورة سنة 1936، كنّا ما زلنا في الكرك في شرق الأردن، وقد ساهمنا مع وجهاء البلدة في نصرة الثورة بقدر ما أتاحت لنا الظروف، حيث إنّ بريطانيا لم تغفل عن مراقبة أي تحرّك يُقدِم عليه الأهلون لدعم الثورة. فقدّمنا بعض العتاد الذي كنّا نحرص عليه من بقايا سلاحنا في قتالنا للفرنسيين على أرض سوريا. وكلّفنا المجاهد شكيب وهاب في تأمين وصوله إلى المجاهدين على أرض فلسطين». وبعد إقرار تقسيم فلسطين، 1947، «حضر إلى الجبل القائد فوزي القاوقجي... ثم قدِم إلى القريّا وأطلعني على المهمّة الموكلة إليه وهي طلب المتطوعين في جيش الإنقاذ لمنع وقوع فلسطين في يد الصهاينة. استنهضنا همّة شباب الجبل في تلبية دعوته، فاستجاب الكثيرون لها... ولقد قدّم الجبل عدداً من الشهداء فاق الثمانين شهيداً على أرض فلسطين».

أخيراً، يؤسفني أن يقوم أستاذ أكاديميّ بمثل تلك السقطات في كتاب يُفتَرَض فيه الحيادية في البحث. وأنا أصرّ على كل كلمة كتبتُها في هذه المقالة بسبب ما يشكّله هذا الكتاب من خطورة، خصوصاً في هذه الأيام التي نعاني منها من محاولات التفتيت الجديدة في منطقتنا، والتي تستهدف بشكل خاص الأجزاء الشمالية والشرقية والجنوبية من سوريا

المجاهد شكيب وهاب
من يقرأ تاريخ الثورة السورية الكبرى، لابد وأن يقرأ باحترام اسم المجاهد
شكيب وهاب الذي كان أحد أعمدة هذه الثورة، وقد ناضل طويلاً في سبيل نصرتها. وهذا ماذكره المجاهد متعب الجباعي في مذكراته المكتوبة والمرئية
(كما يذكر الشهبندر في مذكراته)، في هذه الأثناء توطدت العلاقة بين "حمد البربور وسلطان الأطرش" من خلال صحبة الجيرة والمصاهرة والتجربة المشتركة ضد الأتراك
في تموز من عام 1922 وصل "شكيب وهاب" إلى "أم الرمان" حيث كان "سلطان الأطرش" يقضي ليلته عند "حمد البربور" فأخبرهما بما جرى بشأن "أدهم خنجر" وأنه التجأ الى منزل سلطان الأطرش، وعندما علم سلطان بقيام الفرنسيين بحبس "خنجر" في القلعة وقد سدت كل المنافذ في وجه إطلاق سراحه، اجتمع مع بعض الفرسان المقربين وقطعوا الطرق المؤدية إلى "دمشق" فطلبت السلطات الفرنسية النجدة، فبعث لها بثلاث مصفحات واختارت مدخل قرية "الثعلة"، وعند "تل الحديد" بين الثعلة والسويداء اعترضها الفرسان المرابطون هناك: "حمد البربور– ومصطفى الأطرش– وعلي الأطرش– وشكيب وهاب– وخلف الكليب"، وتسوروها على ظهور خيولهم فقتلوا أربعة جنود، وأسروا أربعة آخرين، وعطلوا اثنتين من المصفحات، وولت الثالثة الأدبار. وانتهت هذه الحكاية بإغارة الطائرات في (13 آب) من العام نفسه على قرى المنطقة فخلفت وراءها الكثير من الأرواح والخراب

 

 

 فطنة المجاهد سليمان نصار أنقذت مؤتمر قراصة من براثن التسوف

راجع كتاب / ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي/ لمؤلفه الباحث المهندس سميح متعب الجباعي صفحة(210-213-) وثيقة رقم عن صحيفة الأيكودي بارى الفرنسية وثيقة رقم (081025-3):

Home - aljibaies Webseite! (jimdofree.com)

فطنة سليمان نصار أنقذت مؤتمر قراصة من براثن التسوف لعل ما يميز أحداث الثورة السورية الكبرى أنها نبعة من فعل واقعي لا يحمل التخييل ولا السرد الزائد، والأهم أن القارئ الممعن في منمنمات العبارات الواردة في حياة تيك المرحلة يمعن مؤكداً أن الفطرة والإيمان بالثورة والنصر المحتم لهم أمام أعينهم رغم معرفتهم بمدى المعاناة وقوة فرنسا كدولة عظمى، ولكن وضعوا خيوطاً نهجية منهجية لأنفسم أنه ليس على إرادة الإنسان وإيمانه بالهدف الموحد أي مستحيل خاصة إذا كان المرء على حق بمطلبه، ومضمون هدفه، وهذا ما شمل واكتنف الفضاء الأوسع لواقع وأحداث الثورة وهنا، لابد من الإشارة إلى أن الرجال الذين كانوا يدافعون عن وطنهم من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب لم يكونوا بعيدين عن شخصية قائد الثورة سلطان باشا الأطرش فهو مؤمن أن من حوله سلاطين مثله بالرجولة والكفاح والوطنية ولكن الإجماع على شخصيته هي ميزة فطرية وإنسانية جمعت بشخصه لأنه يملك كارزما تجعله بهدوء وسكينه وحكمة أخذ القرار بروية وإقتدار وتحقيق الهدف المنشود، وبالتالي المتتبع لأحداث الثرة وفق ما ذكره الباحثون أصحاب لعقل الرصين وللب الحصين، في مؤلفاتهم وأبحاثهم ودراساتهم أنه يتكأ على الحدس الوجداني وإيمانه بهدفه الذي شاطره فيه معظم السوريين في جميع المحافظات السورية، وهو على يقين بذلك من خلال اعتماده على شخصيات وطنية وفكرية هامة مثل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر وفارس الخوري ونسيب بكري وغيرهم من الشخصيات الوطنية الفكرية التي لا تل أهميتها بتاريخ سورية المعاصر عنه، بوصفي ناقل اللحظة من رؤية إعلامية أشعر أن الباحث الواقعي الوطني المحب للانتماء يتميز بخصال هامة أولها الحيادية، والابتعاد عن الشخصنة والأنا الانتمائية، والأهم جعل الوطن في دائرة واحدة، ونقل الخبر بواقعية وأمانة، بالاعتماد على المنهج العلمي الذي يمنح بحثه أو دراسته المصداقية والوثوقية، ليكون مرجعا للأجيال اللاحقة... وهذا ما قرأته في كتاب / ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجياعي/ لمؤلفه الباحث المهندس "سميح متعب الجباعي" حيث تراه يدقق في المعلومة واضعاً الوثائق الهامة لإثبات مصداقية معلومته، وفق المعطيات التاريخية ومنها الحادثة التي كانت بعد انتصار الثوار في معركة المزرعة، واجتماع قراصة ومقرراته ومعرفة ذكاء سلطان وفطنة من حوله من الرجال أمثال المجاهد سليمان نصار صاحب الحكمة والفطنة الذي أنقذ موقفا وطنيا يجب أن يسجل ايقونة في جبهة التاريخ المعاصر اما طيف انقذ لابد من العودة للوثيقة الصادرة من كتاب ذاكرة الثورة الذي وضعها الباحث "سميح متعب الجباعي" بأمانة وإنصاف لذاك المجاهد البطل سليمان نصار، والاهم إجماع الثوار على الرأي الوطني الموحد رغم مخالفة بعض له، إلا أنه استطاع تكوين رأي عام بفطنته وايمان الثوار بالعمل والمقاومة ضد الفرنسيين... وبالتالي لابد من العودة لكتاب ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي، لقراءة اجتماع قراصة وما جرى في تفاصيله والتي قدمها الباحث وفق ما توصل إليه من بحث ومقارنة ومقاربة في دراساته وأبحاثه ليصل إلى الحقيقة التالية" ": اجتماع قرّاصة الجاري في الثلاثين 30 من شهر تمّوز- 1925: ما كاد يَحينُ موعدُ عقد اجتماع قرّاصة، حتّى أخذت بيارق القرى تتوافد إلى المكان من مختلف أنحاء الجبل حتّى أنّ بعضَ أفرادٍ من بدو المساعيد والسرديّة وصلوا للمشاركة. في هذه الأثناء يصل عبد الغفّار الأطرش الذي أطلق الفرنسيّون سراحه، وقد مرّوا به على جيوشهم الجرّارة وقواتهم الحربيّة الضاربة الكثيرة لإدخال الخوف والرّعب في نفسه، ولكي ينقل ما رآه للثّوّار, وطلبوا إليه طرح موضوع الصّلح معهم, فوقف على مرتفع رجم (كوم قرّاصة) وخطب عبد الغفّار في النّاس حسبما ورد بمذكّرات سلطان الأطرش قائلاً : "إنّ فرنسا الدّولة القويّة، الدّولة الجبّارة أطلعتني قبل أن أصل إليكم على جيوشها الجرّارة وقوّاتها الضّاربة المختلفة، وطلبت منّي أن أكون وسيطاً بينها وبينكم, لوقف العمليّات الحربيّة, وعدم التّعرض للجيش الزّاحف بقيادة الجنرال ميشو إلى مدينة السّويداء, وقطعوا لي عهداً بالعفو عن جميع الثّوّار الذين اشتركوا بمعركة الكفر دون قيد أو شرط، ما عدا سلطان حيث اشترطوا أن يغادر البلاد ريثما يصدر قرارٌ بالعفو عنه بعد مدّة قصيرة" وفي هذه اللحظة وصل إلى المكان المجاهد مصطفى أبو الحسنين من حوران, وقدّم لسلطان الأطرش رسالة من بعض الزّعماء في حوران يقولون فيها أنّهم لا يستطيعون في الوقت الحاضر المشاركة بالثّورة، فطوى الرّسالة ووضعها في جيبه, غير أنّ أنظار الجمهور ظلّت متّجهة نحوه، كأنّها تستفسر منه بإلحاح عمّا جاء فيها. فأنقذ الموقف سليمان نصّار بسرعة بديهته, إذ طلب من الباشا الرّسالة, ففتحها وارتجل نصّاً آخر من عنده وهو ينظر إليها فقال: "حضرة ابن عمّنا سلطان الأطرش الأفخم, بعد السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته نعلمكم أنّنا رهنُ إشارتكم في سبيل خدمة الوطن، ونحن بانتظار العِلم منكم لنلتحق بجيشكم والله يحفظكم وينصركم على الأعداء, ثم تلا من ذاكرته أسماء زعماء حوران المعروفين، فأثار بقراءته هذه حماسة الجمهور حتى كانت أصوات النّخوات تشقّ عنان السّماء. وما أن عاد الهدوء إلى الجمهور من جديد حتّى التفت الباشا إلى عمّه عبد الغفّار، وقال له على مسمع الجميع، وكجواب على ما طرحه الفرنسيّون. "إنّنا لم نعلن هذه الثّورة كي نرضخ لشروط الفرنسيّين، ونسمح لجيوشهم الجرّارة بالدخول لبلادنا دون مقاومة، ليغدروا بنا، ويسومونا سوء العذاب وينفوك وغيرك من الزّعماء ظلماً وجوراً. نلاحظ من خلال الوثيقة أن سلطان باشا الأطرش لم يكترث إلى ما قاله عبد الغفار الطرش عمه بل طلب منه الذهاب لرؤية أسرته واهتم أكثر بما قاله وأنقذ الموقف المجاهد سليمان نصار، وقام بمتابعة الاجتماع مع أخوته الثوار وتوصلوا إلى مجموعة من القرارات وهنا تكمن أيضاً مصداقية الباحث "سميح الجباعي" حينما ذكر المقررات كما وردت في الوثيقة والتي تتلخص بالتالي : قرارات مؤتمر قرّاصة: إنّنا أعلنّا الثّورة لنصون العرض والكرامة ونحقّق بحدّ السّيف حريّة البلاد واستقلالها, ثمّ اقترب الباشا من عمّه وقال له: "إنّك تخرج الآن من السّجن والمنفى والحمد لله على سلامتك, وأنت أحوج حاليّاً لرؤية أفراد أسرتك الذين ينتظرون عودتك بفارغ الصّبر في قنوات, ثم اختلى القائد بأعيان الثّوّار على جناح السّرعة واتّخذوا القرارات التّالية بالإجماع: 1 - متابعة الثّورة والوقوف في وجه الجيش الفرنسي الزّاحف لمنعه من الوصول إلى السّويداء. 2 -اعتبار القوّات المتواجدة والجاهزة لمحاربة العدوّ الغاشم، والتّي حضرت الاجتماع نواة الجيش الوطنيّ المنويّ إعداده وتنظيمه في المستقبل. 3 - اتّباع تقاليد الجبل الحربيّة المتوارثة، باعتبار بيرق كلّ قرية وحدة حربيّة كاملة، يؤمّن كلّ محارب فيها، وعلى نفقته الخاصّة سلاحه وذخيرته ومؤونته. وأن تكون قيادة كلّ وحدة مرتبطة مباشرة بقيادة الثّورة العامّة. 4 -فتح جبهة حربيّة تمتدّ على جانبيّ طريق إزرع – السّويداء من قرية تعارة وقرّاصة شمالاً حتّى قريتي الدّور وسميع جنوباً. من خلال مقررات مؤتمر قراصة ومجرياته في الثلاثين من شهر تموز عام 1925 نشعر بمدى الثقة التي يتمتع بها قائد الثورة والثوار، والحماس وحس المسؤولية اتجاه النصر ومقاومة فرنسا دون أن يأبا بحكم فرنسا عليه بالإعدام أو نفيه أو ماشابه، ولعل الباحث هنا قد أجاد في تدوين مؤتمر قراصة بعقل المدون التاريخي وليس السارد التاريخي للوقائع، لأن السارد يقع في مطبات الأنا والشخصنة وعدم الحيادية واتباع المنهج، ويبقى السؤال اليوم وغداً كيف لنا الاستفادة من تلك المعطيات لتكوين رؤية ثقافية تاريخية واحدة وتقديمها بصدق للأجيال القادمة إلا من خلال دعم النص بالوثيقة والمرجع الصادق ...وللحديث بقية...

السويداء20/3/2022//ا-الصحفي الاستاذ معين حمد العماطوري

وقد نُظمت قصيدةٌ مختصرة وجزلة حول المعركة، منقولة عن مدونة السيد أنور نصر أبو شاهين من قرية سميع جاء فيها:

سميع دار العز حماة الميامين سباع الوغى تحمي شباله و عرينا

فيها الكرم و الطّيب مع ربّة الدّين و كلّها ضياغم يوم تعقد جبينا

قبل منا جدود كانوا صليفين رقّة الصّقر تشهد لمجد بنينا

مثل الزيناتي عالفرنسي مغيرين ولأجل الوطن الروح ما هي ثمينا

ما همنا فرنسي وترك وسلاطين شفار الهنادي من دماهم روينا

من لمزرعة لدّور حاموا الشواهين بسوق المنايا الرّوح بعنا و شرينا

و سجّل التّاريخ لينا الدّواوين و رقّة الصّقر حنا كتبنا و مضينا

السويداء/ا-الصحفي الاستاذ معين حمد العماطوري

المجاهد الكبير سليمان نصار

ولد في قرية سالة التابعة للسويداء , وفيها تعلم القراءة والكتابة .

نفي والده محمد إلى الأناضول عام 1897م مع عدد كبير من أبناء الجبل. وفور وصوله إلى هناك, أدخل ولده سليمان في مدرسة العشائر بالآستانة.

عام 1900م أصدر السلطان عبد الحميد عفواً عاماً عن المنفيين . فعادوا مع أسرهم إلى الجبل . غير أن سليمان نصار بقي هناك لأجل الدراسة حتى نهاية عام 1902م .

سنة 1910م اشترك في مواجهة حملة سامي باشا الفاروقي على الجبل . حيث تم دحر الحملة على يد الثوار وقد كبدوها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد .

اشتهر سليمان نصار بالحلم وسعة الأفق. وكان رجل سياسة ورجل حرب. عرف بحسه الوطني والقومي, وبإخلاصه وولائه للثورة. وقد أثبت ذلك بتفانيه في خدمة الوطن, والتضحية من أجل تحرير الأرض واستقلال البلاد .

في 20 كانون الأول عام 1920م, انعقد المؤتمر الدرزي العام في السويداء . وكان سليمان نصار عضواً في ذلك المؤتمر, بعد اجتماعات عديدة في قرى : لاهثة , الكفر, صرخد ( صلخد ) , قنوات. حيث صاغ المؤتمرون برنامجاً استقلالياً, قدموه إلى ممثلي السلطة الفرنسية في دمشق وبيروت .

عام 1921م تسلم مديرية ناحية سالة, في عهد ترانكا, في حكومة الأمير سليم الأطرش .

حينما قام كاربيه, حاكم جبل الدروز, بزيارة إلى قرية سالة, لم يستقبله سليمان نصار استقبالاً لائقاً, وكان مدير ناحيتها, فما كان من كاربيه إلا أن شتمه, فرد عليه سليمان نصار الشتيمة بأكبر منها, فأمر كاربيه بعزله من وظيفته, وحكم عليه بالسجن في مستودع الفحم, مع الأعمال الشاقة بتكسير الحجارة أمام دار الحكومة بالسويداء مدة خمسة عشر يوماً .

قال سلامة عبيد : ( .... ودخل السجن كثير من الزعماء, دون محاكمة, وتعرضوا للضرب بالسياط والتعذيب المادي والمعنوي. وكان سجنهم مستودع الفحم حيث يسمح لهم بغطاء أولا يسمح. ولم يكن أحد يجرؤ على الاتصال بهم أو تقديم الأكل إليهم .ولم يكونوا يخرجون من هذا السجن إلا لتكسير الحجارة في الشوارع العامة, وعلى مرأى من جميع المواطنين, والسوط مسلط فوق رؤوسهم ).

في 20 تموز عام 1925م كان سليمان نصار على رأس الذين لبوا نداء سلطان الأطرش إلى الثورة ضد الفرنسيين, مستجيباً إلى دعوته التي وجهها إليه, وإلى كثير من زعماء وقرى الجبل. إذ وافاه إلى قرية عرمان قبيل معركة الكفر, على رأس مجموعة كبيرة من الثوار .

في 21 تموز سنة 1925م اشترك في معركة الكفر, وأبلى فيها بلاء حسناً .

وقد تميز سليمان نصار بذكائه الحاد وفطنته وحنكته, وكان دبلوماسياً حاذقاً, سريع البديهة, سريع الحركة, ذا قدرة فائقة على حسن التصرف وكيفية التخلص في المواقف الحرجة. ففي اجتماع قراصة العام الذي عقد في 30 تموز سنة 1925م لدراسة الموقف بصورة عامة, والتشاور بشأن الوضع القائم حول الحشود العسكرية المكثفة من الجيش الفرنسي في أزرع. وكان سلطان الأطرش وكبار المجاهدين قد وجهوا دعوة إلى كافة قرى الجبل للاجتماع في ذلك المكان لهذا الغرض, فتواردت إليه بيارق القرى من مختلف النواحي .

وفي هذه الأثناء وصل عبد الغفار الأطرش إلى قرية الدور, بعد أن أطلق الفرنسيون سراحه, وانتقل إلى نبع قراصة حيث كان الاجتماع, فارتقى مكاناً مرتفعاً وخاطب جموع المجاهدين بقوله :

يا دروز إنكم تثورون الآن على فرنسا, وهي دولة كبيرة مشهورة بقوتها وجبروتها في العالم أجمع, وقد بدأت تحشد قواتها في أزرع بما يزيد على عشرة آلاف مقاتل غير الدبابات والمصفحات والمدافع الثقيلة والطائرات... وإن هذه الحرب سوف لا تُبقي ولاتذر, وإنها سوف تدمرنا فتقتل الرجال والشيوخ والنساء وتحرق الأرض وتهدم البيوت وتيتم الأطفال وتشردهم ...

وفي تلك اللحظة وصل رسول من محافظة درعا, هو مصطفى أبو الحسنين من قرية الحريّك , وقدم رسالة إلى سلطان الأطرش, مبعوثة من بعض زعماء حوران. منهم : هولو الترك الحريري , فارس الأحمد الزعبي, يقولون فيها إنهم لا يستطيعون في الوقت الحاضر المشاركة بالثورة , ويطلبون من الثوار عدم الاقتراب من مناطق حوران أو القيام بأي نشاط حربي في أراضيهم , كما ذكر سلطان الأطرش, إذ قال : طويت الرسالة ووضعتها في جيبي . غير أن أنظار الجمهور ظلت متجهة نحوي وكأنها تستفسر عن فحوى هذه الرسالة .

وقد أنقذ الموقف سليمان نصار بذكائه وسرعة بديهته, إذ تقدم مني وقال: اسمح لي يا باشا بالرسالة لكي أقرأها على الناس. فناولته إياها. فارتجل نصاً آخر من عنده وهو ينظر إلى الرسالة وكأنه يقرؤها. قال :

( حضرة ابن عمنا سلطان باشا الأطرش الأفخم. بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, نعلمكم أننا رهن إشارتكم في سبيل خدمة الوطن, ونحن بانتظار العلم منكم لنلحق بجيشكم. والله يحفظكم وينصركم على الأعداء ).

ثم تلا من ذاكراته أسماء زعماء حوران المعروفين .

لقد أثار بقراءته هذه حماس الجمهور. ولما عاد الهدوء من جديد التفت سلطان باشا إلى عبد الغفار وخاطبه على مسمع الجميع بقوله :

( إننا لم نعلن هذه الثورة كي نلزم الهدوء والسكينة ونرضخ لشروط الفرنسيين بإدخال جيوشهم الجرارة إلى بلادنا دون مقاومة أو نأخذ بمناوراتهم وأساليبهم الماكرة في تفريق ثوارنا وإعادتهم إلى قراهم ليسوموهم العذاب من جديد...إننا أعلنا الثورة لنصون الكرامة والعرض ونحقق بحد السيف استقلال البلاد .

وفيما كان المكان يضج بالنخوات والأهازيج الحربية وإطلاق العيارات النارية, اقتربت من عمي عبد الغفار وقلت له : إنك أحوج إلى رؤية أفراد أسرتك الذين ينتظرون عودتك في قنوات من أن تفتح باب المفاوضات مع الفرنسيين الذين غدروا بك وبغيرك من زعماء البلاد ونفوك ظلماً إلى أقاصي المناطق و البلدان ).

وفي أثناء ذلك وصل حمد صعب , أحد الدروز اللبنانيين المقيمين في الأردن, يحمل رسالة, قام بتسليمها إلى سلطان الأطرش, فقرأها بصمت ثم قال: يا دروز, إن الحكومة و الشعب الأردني معكم, بانتظار إشارة منكم للانضمام إليكم في ثورتكم. مما زاد حماس الثوار. وكانت الرسالة في حقيقة الأمر من رشيد طليع .

كان ذلك قبيل مواجهة حملة ميشو. وكان عبد الغفار الأطرش منفياً من قبل الفرنسيين إلى تدمر . ولم يكن طريق السويداء دمشق إلا عن طريق أزرع, هنا لا بد من وقفة نتساءل فيها..كيف كان القائد سلطان بين أمرين أحلاهما مر. فكلام عمه عبد الغفار كان صحيحاً حول عدد الجحافل الفرنسية بأنها تزيد على العشرة آلاف, وقد أكد ذلك سلطان الأطرش نفسه فيما بعد بأنهم قدروا عددها بثلاثة عشر ألف مقاتل ٍ. فموقف سلطان هنا كان في غاية الحرج, إذ أنه قد تأكد من خطورة القوة الفرنسية بعددها و عتادها, وخطبة عمه عبد الغفار بجموع المجاهدين قد تثبط عزيمتهم وتهبط الروح المعنوية لديهم. هذا من جهة, ومن جهة أخرى جاءت رسالة زعماء حوران في ذات اللحظة لتزيد الطين بلة .

فأي قلب هذا قلب سلطان الذي يتحمل كل هذه الصدمات ويصبر كل هذا الصبر بل أي عقل هذا عقل سلطان الذي لا يستشيط غضباً فينفعل ضد عمه, وإن كان ينصح بنية مخلصة, أو يثور على ما قرأ بالرسالة فيمزقها أمام الملأ ويتلفظ بألفاظ مما قد يحدث في الأفلام . لكنه كان في منتهى الهدوء والثبات , زقد أعطى دفعا ً آخر للثوار فرفع معنوياتهم وأثار حماسهم حينما غير هو أيضا ً مضمون رسالة رشيد طليع .

وهذا ينطبق على سليمان نصار أيضاً حينما قرأ الرسالة وغيّر مضمونها ببراعة , فقد أكد أن هؤلاء القادة كانوا يتحلون بالصبر وضبط النفس وهدوء الأعصاب حتى لو كانوا يحترقون من الداخل, ولذلك كانوا ينتصرون .

اشترك في معركة بصر الحرير التي وقعت في 31 تموز سنة 1925م. وهي أولى المعارك ضد الجنرال ميشو .

في 1 آب عام 1925م اشترك في معركة تل الخروف ثم انتقل مع سلطان الأطرش من رقة الصقر إلى ماء الفارعة, الواقعة بين المزرعة والسويداء, يرافقه مائة فارس, وكان على رأسهم: سليمان نصار, فندي أبو فخر, الشيخ منصور أبو عساف, صياح الأطرش, سلمان حمد الأطرش ( دبابة الجبل), زيد الأطرش .

اشترك في معركة المزرعة التي وقعت في 2-3 آب سنة 1925م . إذ انتصر فيها الثوار ودحروا قوات الاستعمار الفرنسي. وقد زخرت هذه

المعركة بالمشاهد البطولية التي قام بها الثوار , وقد ذكر صياح النبواني : أنه رأى رجلا ً ضخما ً طويل القامة , من أقارب حمزة درويش , وهو يترصد دبابة كانت تسير باتجاه الأمام ثم تسير باتجاه الخلف , وفي الحالين تقذف بنيرانها على الثوار في كلا الاتجاهين , فاقترب منها وصعد إليها , وانتظر حتى أطلقت قذيفة , وعلى الفور أدخل قصبة بندقيته في قصبة مدفع الدبابة وأطلق النار , فانفجرت قذيفة السربند في داخلها , فاحترقت الدبابة بمن فيها , وكانت متجهة نحو الجنوب الغربي , مائلة على الحجارة , وقد شاهدوا الدم يتدفق من بابها الأيسر , فتقدم محمد العشعوش وفتح بابها , وكان أفراد طاقمها أشلاء ممزقة .

في 15 آب سنة 1925م انتدب عضواً في لجنة دراسة شروط الجنرال سراي, التي قدمها الكابتن رينو, وذلك في اجتماع المجيمر الذي عقده الثوار برئاسة سلطان الأطرش, وقد ذكر ذلك سلطان باشا بقوله :

( وفي اجتماع المجيمر الثاني المنعقد في 15 آب عام 1925م, تقرر انتداب كلاً من : سليمان عبدي الأطرش, هايل عامر, فضل الله هنيدي, محمد عز الدين, سليمان نصار, لدراسة الشروط التي تقدم بها الكابتن رينو باسم الجنرال سراي وهي :

1- إعادة الأسلحة التي استولى عليها الدروز أثناء المعارك الحربية .

2- القبول بعودة الحامية الفرنسية إلى سابق مركزها في السويداء .

3- التعويض على تجار السويداء ما نهب من دكاكينهم أثناء الحوادث .

4- دفع غرامة حربية قدرها خمسة آلاف ليرة عثمانية ذهباً .

وقد اعترض الثوار على هذه الشروط, وأبدوا للكابتن رينو صعوبة تحقيقها. وعرضوا على الوفد الفرنسي شروطاً أخرى للصلح .

في 24 آب عام 1925م اشترك في معركة العادلية , قرب دمشق , ضمن حملة ثوار الجبل التي زحفت لأجل تحرير دمشق , وقد خسر الثوار في هذه المعركة .

في أوائل أيلول سنة 1925م انعقد مؤتمر ريمة اللحف, من قبل القوى الوطنية السورية, برئاسة سلطان الأطرش, تم فيه تعيين أركان الثورة . وكان سليمان نصار أحد هذه الأركان .

حينما كان التشاور الذي رافقه حوار حاد بين زعماء الثورة, حول الهجوم على المسيفرة, بين مؤيد ومعارض, كان سليمان نصار إلى جانب القائد العام في صف المعارضة .

في 17 أيلول سنة 1925م, وقعت معركة المسيفرة, وكان سليمان نصار أحد الفرسان الذين اقتحموا تحصينات العدو, واجتازوا الخنادق والأسلاك الشائكة المحيطة بالقرية, التي تربض خلفها القوات الفرنسية بدباباتها ومدافعها وجنودها المتمركزة حول المسيفرة, إذ دارت حرب شوارع داخل القرية, ثم اشتباك بالسلاح الأبيض, وكان النصر حليف الثوار, وقد أبادوا جنود العدو الذين التحموا معهم, واستولوا على مخازن الذخيرة والتموين والسلاح واسطبلات الخيول, وركزوا بيارقهم على سطوح المنازل, وتدخلت الطائرات التي فصلت الثوار الذين دخلوا المسيفرة عمن هم خارجها, واستمرت المعركة إلى الليل من ذلك اليوم. وقد أصيب سليمان نصار في يده .

قال سلطان الأطرش : ( مشينا نصف الليل بحذر شديد, ولكننا توقفنا عند تلول خليف لتصل بيارقنا المتأخرة ويتكامل حشدنا. ثم استأنفت جموعنا زحفها بعزيمة ثابتة وإرادة لا تقهر, يسير في مقدمتها من أبطالنا الميامين حملة بيارق السويداء وقرى الجبل, ومشاهير القادة: محمد عز الدين, نزيه مؤيد العظم, سليمان نصار, وعمي عبد الغفار, وعدد كبير من شيوخ الدين من أمثال الشيخين: سعيد الحناوي وسعيد الحجلي ).

وذكر المجاهد جادو شجاع : أنه رأى حمزة درويش يطلق النار على خيول الفرنسيين, كما قام بفعل ذلك أيضا ً محمد عز الدين وشكيب وهاب , كي لا يطمع بها الثوار وتلهيهم الغنائم عن محاربة الفرنسيين الذين يحيطون بهم في محيط القرية, ورغم ذلك فقد أتوا بأعداد من الخيل والسلاح والذخائر. وذكر أيضاً أن الثوار استولوا على مخزن كبير للذخيرة مؤلف من ثلاث قناطر, كان مملوءاً من الأرض حتى السقف بصناديق القنابل اليدوية وقذائف المدفعية والرصاص والديناميت وغير ذلك مما لا يعرفونه, وكان الفرنسيون قد تركوا في الخارج كثيراً من صفائح البترول, فأحضروا صفيحة مملوءة بالبنزين وأخذوا يصبون البنزين على أكياس الخيش ويرمونها إلى داخل المخزن, ثم أضرموا النارفيها فتفجر كل شيء, وتطايرت حجارة القناطر وربد السقف بصورة هائلة .

قال الشهبندر : ( يجب أن نفاخر كل الفخر بما قام به أبطالنا في هذه المعركة الرهيبة , إذ إن اقتحامهم لمواقع العدو الحصينة , عبر السهول المحيطة بالقرية , واختراقهم أسلاكه الشائكة بوسائلهم البسيطة , واستيلائهم على مراكزه في قلب القرية .. كل ذلك بسالة نادرة ومغامرة جريئة وقد يعجز عن القيام بها أعظم جنود أوربا شهرة في ميادين القتال . إنني أعتبر هذا كله نصرا ً فريدا ً من نوعه ليس فيه أي معنى من معاني الهزيمة والانكسار ) .

اشترك في معارك السويداء الأولى من 23- 26 أيلول سنة 1925م في مواجهة حملة غاملان وفك الحصار عن قلعة السويداء ومن فيها من الفرنسيين.

اشترك في المعارك التي دارت بين 2-9 تشرين الأول سنة 1925م في مواجهة حملة غاملان التي حاول فيها احتلال السويداء فدحره الثوار وأحبطوه . ودارت معارك عديدة في كل من: المجيمر, عرى, رساس, تل الحديد, كناكر, الثعلة, المزرعة. وذكر علي عبيد أن سليمان نصار كان في قرية العفينة حينما احتشد الدروز فيها وفي نبع عرى, إلى جانب سلطان الأطرش وبعض زعماء الثورة, وأن غاملان أرسل 29 طائرة قامت بقصف قرية العفينة, للقضاء على سلطان الأطرش ومن معه, لكن رصاص الثوار جعلها تخطئ أهدافها وجعل قذائفها تتساقط حول القرية , وإنها لم تهدم سوى أربعة منازل . لكن كثافة القصف, وتشكل سحب الغبار والدخان في سماء القرية, توهم الناظر إليها بأنه لم يبق فيها حجر على حجر, وبأنها باتت أثراً بعد عين .

في أواخر عام 1925م اشترك في معارك الغوطة .

اشترك في معارك السويداء الثانية من 24 -26 نيسان سنة 1926م . حيث تمكن الجنرال أندريا من احتلال السويداء .

وقد وصف علي عبيد هذه المعركة بأنها كانت أعظم هولاً من معركة المزرعة. ودار فيها اشتباك بالسلاح الأبيض. وذكر أن الجيش الفرنسي الذي دخل السويداء, كان عدده لا يقل عن ثلاثين ألف جندي .

في أيار عام 1926م , عقد مؤتمر شعبي كبير في قرية شقا, لأجل إعادة النظر في تنظيمات الثورة وإداراتها, ومواصلة القتال والصمود في وجه الغزاة المستعمرين, بعد سقوط السويداء . وقد تقرر فيه :

1- تشكيل إدارة محلية, وإعادة تنظيم قوى الأمن الداخلي .

2- انتخاب مجلس وطني .

3- تنظيم جيش الثورة في وحدات مقاتلة, يرأس كل منها قائد مسؤول عن جميع شؤونها العسكرية و التموينية .

انتقل الثوار من قرية شقا إلى قرية مفعلة, وعقدوا اجتماعاً تحت القصف الجوي, تم فيه تسمية الأعضاء الوطنيين للمجلس المؤلف من خمس لجان : عسكرية, إدارية, مالية, قضائية, تموينية. وكان سليمان نصار أحد أعضاء هذا المجلس, إذ كان هو وجاد الله سلام يمثلان منطقة سالة. وفي هذا الاجتماع أضاف الثوار مطلبين إلى مقرارت مؤتمر شقا هما :

1- الإصرار على المطلب الرئيسي في وحدة البلاد السورية.

2- الموافقة على عقد معاهدة مع فرنسا, تحفظ فيها حقوق سورية الكاملة في الحرية والاستقلال .

لعب سليمان نصار دوراً مهماً في الإدارة المحلية للثورة, وكان من الشخصيات القيادية البارزة التي يستعان بها في أمور كثيرة . قال سلطان الأطرش :

( لم يكن باستطاعتنا, في الحقيقة, تنظيم الإدارة المحلية حسبما تقتضيه الأصول أثناء الظروف الصعبة التي كانت تمر بنا, وإنما كنا نتعاون مع شيوخ العقل الثلاثة : أحمد الهجري, حسن جربوع, وعلي الحناوي, ومع بعض الشخصيات القيادية البارزة, كرشيد طليع, ومحمد عز الدين, وسليمان نصار, وعمي عبد الغفار الأطرش, في كل ما كانت تتطلبه الإدارة من أعمال وجباية أموال, يعاونهم في ذلك حسني صخر, كقائد لقوى الأمن الداخلي, ومن كان يأتمر بأمره من ضباط الدرك الوطني في مناطق الجبل المختلفة ).

في 17 أيار عام 1926م عقد الثوار اجتماعاً في قرية سالة, لبحث موقف الثورة الحربي العام, ودراسة الوضع السياسي الحاضر. حضره الشيخ أحمد الهجري, عبد الغفار الأطرش, علي عبيد, عبد الرحمن الشهبندر, سليمان نصار, عادل النكدي وغيرهم .

عام 1926م تولى القيادة العسكرية في المقرن الشرقي, بناء على مقررات مؤتمر بوسان, الذي عقد برئاسة القائد العام للثورة, وتقرر فيه تقسيم القوات إلى ست مجموعات :

1- المقرن الجنوبي, بقيادة علي ذوقان الأطرش .

2- المقرن الشرقي, بقيادة سليمان نصار .

3- منطقة شهبا, بقيادة زيد عامر .

4- وادي اللوى, بقيادة محمد عز الدين الحلبي .

5- المقرن الغربي, بقيادة فضل الله هنيدي .

6- مجاهدو الإقليم ولبنان وبعض أبناء الجبل, بقيادة الأمير عادل أرسلان .

صيف عام 1926م ارتحل سليمان نصار مع فريق من أهالي بلدته , وخيموا في البادية في منطقة الثمدي شرق قرية الرشيدة بنحو 10 كم , واقترح على سلطان الأطرش النزول في ذلك الموقع , فقبل سلطان ذلك الاقتراح ونزل في ذلك المكان وجعله مقراً جديداً لقيادة الثورة .

وذكر علي عبيد أن سليمان نصار قد نزل ماء المعيّ أيضاً سنة 1926م . ذكر ذلك في حديثه عن حضور الزعيم شكري القوتلي إلى الجبل آنذاك ومرافقته إياه لأجل مقابلة رشيد طليع,حيث لحقا بسلطان الأطرش في خربة غرابة جنوب قرية متان, ثم توجهوا جميعاً بمعية سلطان باشا إلى قرية الرشيدة, ومنها أرسل سلطان باشا في طلب سليمان نصار وأقاربه النازلين في ماء المعيّ ثم توجهوا إلى قرية اسعنا. وبعدها ذهبوا إلى ماء المعيّ وباتوا عند سليمان نصار, وكان عددهم حوالي ثلاثين مجاهداً .

وثمت من روى : أن ماء المعيّ كان آسناً ومغطى بالجراد وتفوح منه رائحة نتنة حينما اقترب الثوار منه, وقد وجموا عن وروده, فتقدم سلطان باشا إلى الماء, وكف الجراد الميت من على سطحه بظاهر كفيه, وأخذ يغرف منه براحتيه ويشرب. فتقدم الثوار جميعاً إلى الماء, وشربوا مثلما شرب , ومنهم على ما قيل : الزعيم القوتلي وعلي الملحم ويوسف العيسمي وقاسم أبو خير وعلي عبيد وآخرون , قبل أن يهتدوا إلى مقر سليمان نصار .

في أوائل شهر تموز سنة 1926م وصل الجنرال أندريا إلى قرية سالة, إبان حرب الإخماد, وقد كان أهلها مخيمين في البادية, حينما أخليت القرى ليقوم رجالها بحرب عصابات ضد الفرنسيين. إذ التجأ أهالي المنطقة الشرقية بإبعاد أسرهم ومواشيهم إلى البادية الشرقية, كما التجأ أهالي المنطقة الجنوبية إلى الأزرق, بينما التجأ أهالي المنطقتين الشمالية والغربية إلى اللجاه .

قال أندريا في سالة: ( .... كان يحكم القرية آل نصار الأغنياء, المتنفذون, الذين جرفهم تيار الثورة. وكان زعيمهم سليمان نصار, وأمه من الأطارشة, مدير الناحية قبل الثورة . لقد عمل سليمان نصار بكل قوته

ضدنا, فشارك في مذبحة فرقة نورمان, وفي هزيمة جيشنا في المزرعة, وفي تمرد الغوطة في دمشق. كان عدونا اللدود في كل مكان. وسيكون على الأرجح, آخر ثائر يعلن استسلامه.... لم يحضر شيخ البلدة سليمان نصار, فاتخذت بحقه عقوبات سقطت على أرزاقه ).

في 3 تموز سنة 1926م تم قصف دار سليمان نصار بواسطة الطيران الفرنسي .

وكانت عصابات الثوار كثيرة التنقل من مكان إلى آخر, لا تستقر على حال ولا تتمكن من الإقامة الدائمة في أي موقع, نتيجة الظروف الحربية. وذكر علي عبيد أنه لم يبق مركز معلوم للعصابات بل إنها تتجول من موقع إلى آخر. وقال : إن عصابة محمود أبي يحيى قد اتخذت من وعرة الكراع, شرقي دوما, مركزاً لها, وقد اصطحبت معها عيالها, وعصابة سليمان نصار فقد نزلت بالحفنة, وعصابة الحلبية و الشلاغنة و القناطرة وأهالي لبين فقد نزلت في دير داما .

عام 1926م اشترك في معارك اللجاه . وكان من المرابطين في قرية جدل .

في أوائل شهر أيلول سنة 1926م زحف أندريا على رأس جيش جرار, فاحتل شهبا, ثم اتجه إلى المقرن الشرقي ماراَ بقرى : نمرة, أم ضبيب, طربا . ودارت معارك حامية في معظم قرى المنطقة الشرقية. اشترك فيها سليمان نصار . وقد ذكره سلطان الأطرش من الذين استبسلوا في معركة الرشيدة, وهي أشهر تلك المعارك. إذ التحم الثوار بجناح العدو الأيسر, ومزقوا فصائله , وجعلوها تتقهقر باتجاه وادي الرشيدة, بعد أن كبدوها خسائر فادحة .

في 2 تشرين الأول سنة 1926م انعقد مؤتمر خازمة الذي تم فيه تعيين لجنة عليا للإشراف على الثورة, والقيام بشؤونها السياسية والمالية والإدارية. وعين سليمان نصار عضواً في هذه اللجنة .

في 27 تشرين الثاني ( تاريخ السنة غير مقروء ) تلقى رسالة من الأمير عادل أرسلان . بعث بها إليه من القدس. يبشره بالنجاح القريب , واستقلال البلاد .

في كانون الثاني عام 1927م اشترك في معركة تل اللوز . قال أندريا : ( ... علم عن عصابة في تل اللوز على بعد اثني عشر كيلو مترا ً عن صلخد , فتحركت فرقتان من المغاربة وفرقتان من الأعوان , وحاصرت القرية , فدارت معركة ضارية , مني الثوار فيها بخسائر كبيرة , لكنهم كذلك استطاعوا أن ينسحبوا في الليل , ليستقروا في اليوم التالي في سالة ) .

عام 1932م بعث علي عبيد بهذه القصيدة إلى سليمان نصار بمناسبة عيد الأضحى الثامن في المهجر :

العيد مَرّ وعيدنا هَمّ وافكارْ

والعيد للي خاليين المصايبْ

العيد ثامنْ عيدْ واحنا بالاقفارْ

قفار المعزة بعد جهد وحرايبْ

قلبي طمس واحسّ جوفي على نارْ

من جور دهري بالعنا والصعايبْ

حرب جرى بحوران ما بالعمر صار

خلى رضيع الدِّيدِ للراس شايبْ

دايم سمانا يجوبها ميت طيارْ

يقذف على الأوطان نار اللهايبْ

عالأرض عج الخيل وارصاص واغبارْ

واجيوش مثل السيل جند وكتايبْ

سنتين دامت تحرق الأرض بالنارْ

فاز النشامى بالسيوف الحدايبْ

دهري زها في أول الحرب ما دارْ

دوّر رحاها وصار عالناس عايبْ

حِّييت يا سليمان يا ولــــد نصـــــارْ

وبعدك أحيي عزوتك والقرايبْ

يا حيف يلْطخ شاشكمْ زيت واشحارْ

تزوعوا عن الأوطان تغدوا أجانبْ

يصيب الجبل يا اجواد ما صاب ابو الفارْ

وما يفيدكم بعدين زود النعايبْ

عام 1936م كان أحد أعضاء الوفد الذي مثل جبل الدروز , في مؤتمر الكتلة الوطنية, الذي دعا إلى الإضراب العام. وقد عقد ذلك الاجتماع في منزل فخري البارودي بدمشق, وذلك بذكرى الأربعين لرحيل الزعيم إبراهيم هنانو. وكان الوفد مؤلفاً من: يوسف هلال الأطرش, علي مصطفى الأطرش, داود وإبراهيم هنيدي, سليمان نصار, نجيب حرب .

بعد ذلك , تسلم برقية من الزعيم شكري القوتلي. هذا نصها :

( السيد سليمان نصار , السويداء, بالبريد , سالة.

وقّعت المعاهدة ظهر اليوم. الكتلة الوطنية تهنئ الأمة ) .

القوتلي .

عام 1937م كان نائباً عن الجبل في البرلمان السوري.

عام 1938م اشترك بالمؤتمر البرلماني, الذي عقد في القاهرة, للدفاع عن فلسطين .

عام 1942 عُيّن مديراً للمعارف في السويداء .

عام 1942م زار قرية سالة مسؤول فرنسي كبير, يرافقه الأمير حسن الأطرش . وحينما التقى بسليمان نصار في ساحة القرية , خاطبه أمام أهالي سالة بقوله : إن ألمانيا تسير في باريس, فتقطعها كما يقطع السكين الزبدة... وإن صداقة الدروز مكتوبة على صدورنا بماء الذهب .

فأجابه سليمان نصار بقوله: ونحن نقول , إن ما يؤكد هذه الصداقة, هذه المنازل المدمرة بفعل طائراتكم , وأشار إلى داره التي قصفتها الطائرات الفرنسية, وقد أصبحت أثراً بعد عين. فامتعض الفرنسي .

عام 1947 عين محافظاً للسويداء .

سنة 1947م حين قامت الحركة الشعبية في جبل العرب , وقف سليمان نصار موقفا ً محايدا ً منها .

عام 1954م كان مناوئا ً لنظام أديب الشيشكلي الذي كان رئيسا ً للجمهورية .

توفي عام 1955 م ودفن في بلدته سالة منهيا بذلك مسيرة حافلة بالبطولة والوطنية والفداء

ملتقى السلطان

 

سادتي: لقد وصف شوقي سلطان الأطرش ورفاقه المجاهدين الأبطال قائلاً:

ترى جدّاً ولست ترى عليهم ولوعا بالصّغائر وانشغالا.

إذا قالوا فخير النّاس قولاً وإن فعلوا فأكرمهم فعالا.

وليس أرغد الأحياء عيشاً ولكنْ أنعم الأحياء بالا.

وإن سألتهمو الأوطان أعطوا دمأً حراً وأبناءً ومالا.

قصيدة للشّاعر جاد الله سلام سنة 1925م تخليداً لمعركة المزرعة التي انتهت بنصر الثّوّار :

*يا الله نطلبك الستر يومِن فتل دولابها

*شرّابة الدم الحمر و الذّل ما نرضى بها

*جرّد علينا من البحر عساكرن و طوابها

*عافوا المدافع و الذخر و مصفحات جابها

*عساكرن مثل البحر بني معروف ذيابها

*عاداتنا ذبح الوزر و المرجلة نغوى بها

عينيك يا للي ما حضر حنّا كفينا غيابها

*يا بنت يا عين الصقر ريح النفل بجيابها

*لا تاخذين الماصبر يوم الخوي ينخي بها

وخذين خيّال النصر و المرجلة عيّابها

فطنة المجاهد سليمان نصار أنقذت مؤتمر قراصة من براثن التسوف

 

....

...المصادر....راجع كتاب / ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي/ لمؤلفه الباحث المهندس سميح متعب الجباعي صفحة(210-213-) وثيقة رقم عن صحيفة الأيكودي بارى الفرنسية وثيقة رقم (081025-3):

Home - aljibaies Webseite! (jimdofree.com)

حنا ابوراشد حوران الدامية 17-07-2019.pdf

من مذكرات ادهم الجندي - Kopie.pdf...المصادر ....

 مكتبة نور مذكرات عبد الرحمن الشهبندر عبد الرحمن الشهبندر 2 .pdf...المصادر..

#نقاط_بيع_الكتاب

الكتاب موجود في السويداء

دار البلد للنشر للتواصل هاتف ٠١٦٣٢٢٨٨٧

جوال ٠٩٤٥٨٨٨١٥٥

مكتبة المعرفة للتواصل هاتف 230024

جوال 0933841212

مكتبة فاتن للتواصل هاتف 230161/222098

جوال0999122340

ستديو حنين "المركز عرى" للتواصل هاتف 270029 جوال 0933393850

للمطالعة والمهتمين تم إيداع كتاب ذاكرة الثورة المجاهد متعب الجباعي 1920-1939م في مكتبة الاسد الوطنية في دمشق.

للحصول على الكتاب النسخة الورقية

https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx...

النسخة الالكترونية bdf

https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx...

Home - aljibaies Webseite! (jimdofree.com)

وثائق-الجزء الاول - aljibaies Webseite! (jimdofree.com)

 

http://event-sy.net/news-50422.htm